• مهرجان مكناس للدراما التلفزية.. مسلسل “دار النسا” يظفر بالجائزة أحسن مسلسل تلفزي
  • صحافي جزائري: تصريحات تبون سوقية تؤكد أنه لا يمتلك ثقافة رجل الدولة!
  • مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
عاجل
الإثنين 04 فبراير 2013 على الساعة 13:10

الخيانة كرأي؟؟

الخيانة كرأي؟؟ لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي [email protected]

تذكرنا الأسبوع الذي مضى ضحايا إكديم إيزيك. هل نقول تذكرناهم؟ وهل ترانا نسيناهم ونسينا المشاهد البشعة التي راحوا ضحاياها فعلا؟
مستحيل، وعملية إنعاش الذاكرة القريبة ببعض الصور وببعض الحكايات الطازجة في إيلامها والتي لم تمح أبدا من وجدان الناس كانت كافية من أجل أن تعود الصورة القاتمة لما وقع في ذلك المخيم الصحراوي الشهير بكل قوتها وبكل الألم الممكن أن تسببه مشاهد مثل تلك التي تابعها المغاربة حين اندلاع الأحداث.
ووسط الألم وصرخات من اكتووا بفقدان الأبناء, ووسط كثير من الغموض الذي لف كثيرا من الأشياء في تلك الأحداث الشهيرة، وجد البعض منا القدرة على التسلح بنفسه الحقوقي الإنساني الكامل لكي “يقلي السم للمخزن”، ولكي “يدافع عن حقوق المتورطين في الأحداث”، بل ولكي يطالب بإطلاق سراحهم بكل بساطة.
أفهم كثيرا التعاطف الصادق, وأفهم حتى التعاطف السياسوي المراد منه وضع الخصوم في المآزق، لكنني في هاته النازلة بالتحديد لا أفهم شيئا. الفيديو الذي راج بعد الأحداث الشهيرة لإكديم إيزيك كان واضحا، وكان بلا لبس نهائيا، وكان صاعقا، وحتى أعداء وحدة هذا البلد ممن يحلمون _ في زمن التجمعات الكبرى _ أن يبنوا دويلة قزمية على أسس الوهم وبترودولات شعب الجزائر, اعترفوا بأن تلك الصور هي صور لما قاموا به بالفعل، واعتبروها في الحين انتصارا لهم وأعمالا بطولية وجب التنويه بها وبمن اقترفها.
بمعنى آخر الأمور مثلما يقول خبير التحكيم الشهير “لا غبار عليها”: مجرمون أتوا أفعالا جنائية خطيرة، قتلوا وسحلوا وعذبوا ومثلوا بالجثث وتبولوا عليها، والفيديو الذي التقط لهم أثبت تورطهم بالصوت والصورة، وهم اليوم أمام القضاء في تطور طبيعي وعادي ولا يمكن أن يثير أي نقاش من أي نوع كان اللهم نقاش الاقتصاص العادل بالقانون للضحايا ولذويهم، خصوصا وأن الراحلين في تلك الأحداث شباب صغار كانوا يخدمون وطنهم وهم في مقتبل أعمارهم، ولم يكونو يعتقدون أن رحلتهم إلى أداء الواجب المهني والوطني في تفريق اعتصام غير قانوني سينتهي بهم بذلك الشكل الحزين بالفعل.
أصدقاؤها من أهل “تحقوقيت” المبالغ فيها، وهي موجودة وقائمة الأركان في البلاد، لهم الحق في أن يكون ولاؤهم الأول والأخير للحقوق مثلما يتخيلونها, لكن عليهم أن يشرحوا لذوي الحقوق الحقيقيين، أهل الضحايا والمكتوين بالفقد الذي كان ولا يزال، معنى هذا الولاء الفعلي, وعليهم أيضا أن يقنعوا الشعب المغربي الذي يتحدثون باسمه أنه من الممكن لك لكي تكون مناضلا حقوقيا فعليا أن ترى مجرما يقتل ضحيته بالصوت والصورة وأن تطالب بإطلاق المتورط لانعدام الأدلة وعدم كفاية البراهين.
والوطن في كل هذا؟
يراودني السؤال باستمرار كلما هلت علينا حكاية من هذا النوع, وكلما استجدت أشياء تفرض الحياد فيما لاحياد فيه على الإطلاق. السؤال الجوهري مع السؤال السابق يقول : هل الخيانة ترف فكري؟ هل هي رأي نقبله أو نختلف معه وقد نرفضه؟ هل هي بمعنى آخر ممكنة بشكل عادي وممكن التعامل معها باعتبارها مجرد اختلاف آخر؟ أم ترانا في حكاية الأوطان ملزمون بالعودة إلى قليل الحكمة والعقل, وإلى البديهيات الأولى التي تؤسس الانتماء إلى البلدان التي يولد ويحيا فيها المرء؟
في دول تسبقنا بمسافات ضوئية كبرى في الحقوق واحترامها، ولنأخذ فرنسا على سبيل المثال فقط لا الحصر، يصل الاختلاف كل المسافات لكنه يقف عند حدود البلد، الدولة، الجمهورية. يمسك حينها كل احد من الفرقاء السياسيين بالجزء الذي يصنع انتماءه للوحدة الكبرى ويصبح الصوت الوحيد المسموع هو صوت الإجماع على حماية البلاد قبل أي شيء وبعد أي شيء.

لذلك رأينا الفرنسيين بصوت واحد في الضربات التي وجهت إلى الإرهابيين شمال مالي، ولذلك رأينا صحافتهم ترفض الحديث عن مقتل أي جندي فرنسي، بل وترفض نشر الصورة المريعة التي وضعتها على تويتر منظمة شباب الصومال والتي قالت إنها لجندي فرنسي قتلته أثناء محاولة كوماندو فرنسي تحرير رهائن هناك.
هل فقدت الصحافة الفرنسية استقلاليتها لكي تتخذ قرارا مثل هذا؟ هل انخرطت في جوقة الإعلام “المخزني” الفرنسي؟ هل ضغط عليها هولاند أو أيرو أو غيرهما من المسؤولين الفرنسيين لكي تتخذ موقفا مثل هذا؟
طبعا لا. الذي قع في مثيل هاته الحالات هو أن الناس تضع اختلافاتها الصغيرة جانبا, وتتذكر الاتفاق والتوافق الأكبر، حول الرقعة الجغرافية والتاريخية والحضارية التي تجمعها.
هذا هو المفقود لدى بعض أهل “تحقوقيت” المبالغ فيها في بلادنا، المخفية لشعاراتها السياسية بعناية لعدم قدرتها على المواجهة الصريحة.
في الختام، الخيانة _والكلمة هنا ليست أكبر من بعض الأفعال وبعض الأقوال_ تسير جنبا إلى جنب مع النفاق ومحاولة إخفاء حقيقة الأشياء. هكذا وبكل اختصار.