• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2013 على الساعة 11:56

‎تحصين المكتسبات

‎تحصين المكتسبات يونس دافقير [email protected]
يونس دافقير dafkirt@yahoo.fr
يونس دافقير
[email protected]

سيكون من المبالغة اعتبار الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص قضية الصحراء، انتصارا دبلوماسيا للمغرب، لكن سيكون من الواقعي جدا اعتباره موقفا يدخل في باب تحصين المكتسبات التي راكمها المغرب منذ إعلانه عن مقترح الحكم الذاتي كأساس تفاوضي للنزاع حول الصحراء، كما أنه يؤسس لأرضية توافقية بعد التباينات الأخيرة بين الرباط وواشنطن في تقدير وضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية. لكن الأهم في البيان المشترك الصادر عقب المباحثات التي أجراها جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي بالبيت الأبيض هو أنه يضع هذه المرة قضية الصحراء في إطار استراتيجي أوسع.

‎ حين يصف باراك أوباما مقترح الحكم الذاتي بأنه «مقترح جدي وواقعي وذو مصداقية» فإنه لا يضيف شيئا لنفس الموقف الذي سبق وعبرت عنه الإدارة الأمريكية سواء في الولاية الأولى لأوباما أو في عهد الرؤساء السابقين، كما أنها صيغة مقتبسة من بيانات مجلس الأمن ذات الصلة بالموضوع‫.‬ لكن الجديد في موقف الرئيس أوباما يتمثل في إضافته وصفا جديدا لهذا المقترح، وذلك حين قال إنه «يمثل مقاربة ممكنة من شأنها تلبية تطلعات ساكنة الصحراء إلى تدبير شؤونها الخاصة في إطار من السلم والكرامة»، وربما أن هذه الصيغة الدبلوماسية الجديدة تأخذ التطورات المستجدة في الموقف المغربي، والتي أضافت إلى مبادرة الحكم الذاتي، المشروع التنموي الخاص بتنمية الأقاليم الجنوبية، والذي يمكن أن يشكل أرضية اقتصادية واجتماعية تعزز الإطار الإداري ‫-‬ السياسي الذي يعبر عنه الحكم الذاتي‫.‬

‎لكن السياق الذي يأتي فيه هذا التصريح، يعطيه دلالة دبلوماسية بليغة، فهو يعبر عن هذا الموقف في الوقت الذي تسعى الجزائر إلى استبعاد مقترح الحكم الذاتي من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو وهي المحاولات التي وجدت صداها لدى المبعوث الأممي كريستوفر روس الذي حاول وضع أساس جديد للتفاوض ما أدى إلى سحب الثقة منه من طرف الرباط، لكن أوباما يؤكد كذلك دعم بلاده لجهود المبعوث الأممي ويتحدث عن «أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، بما فيها عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، وناشد الأطراف العمل من أجل إيجاد حل سياسي» وهي صيغة دبلوماسية تأخذ بعين الاعتبار المواقف الجزائرية في القضية‫، لأن واشنطن لا ترغب في المجازفة ببناء تحالف استراتيجي مع المغرب يكون على حساب مصالحها في الجزائر، وإن كانت واشنطن تسير نحو قدر من الاستقلالية الطاقية تجعلها متحررة من الضغوط الجزائرية‬.

‎ومع ذلك، فإن الموقف الأمريكي يوسع من رقعة الجدية والمصداقية التي يحظى بها مقترح الحكم الذاتي داخل مجلس الأمن الدولي، وهو بهذا الموقف يقترب كثيرا من الموقف الفرنسي الذي عبر عنه الرئيس فرانسوا هولاند في تأكيده على أن باريس تدعم مقترح الحكم الذاتي، وهي صيغة جد متقدمة بالمقارنة مع الموقف الأمريكي، خصوصا حين يقول هولاند في زيارته الأخيرة للمغرب ‫عن نزاع الصحراء إن« هذا النزاع ينتظر حله منذ أكثر من ثلاثين سنة»، إلا أن «أزمة الساحل جعلت إيجاد حل لإنهاء الوضع القائم أكثر استعجالا. وهو موقف قريب من التحليل المغربي وتحاليل عدد من مراكز التفكير الأمريكية التي ترى أن حل نزاع الصحراء في إطار السيادة المغربية هو أحد مفاتيح التحكم في حركية الإرهاب والتهديدات الأمنية بمنطقة الساحل والصحراء.‬

‎وثمة في البيان المشترك صيغة ترد لأول مرة في الموقف الأمريكي من قضية الصحراء والحكم الذاتي وهي تفيد التأكيد «مجددا» من طرف جلالة الملك محمد السادس وباراك أوباما على «تشبثهما المشترك بتحسين ظروف عيش ساكنة الصحراء، والعمل سوية على مواصلة حماية حقوق الإنسان» ويمكن القول إن الأمر يتعلق بصيغة توافقية تدعم من خلالها واشنطن الحكم الذاتي، وتوقف مسعاها الذي عبرت عنه مندوبتها لدى مجلس الأمن نحو توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، لكن الصيغة لن تكون أكثر وضوحا إلا حين تظهر آلياتها التنفيذية والتي لن تحيد عن سقف انفتاح المغرب على المقررين الأمميين وكذلك على بعثات الاستطلاع الأمريكية التي قد يبعث بها الكونغريس أو التقارير التي تنجزها منظمات حقويية أمريكية، ومن الجانب المغربي، يبدو أن الأشكال التنفيذية لهذه الصيغة ستسير أكثر نحو تفعيل آليات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتفعيل الجيد للضمانات الحقوقية المنصوص عليها في الدستور ، خصوصا وأن الملك سبق له أن اتخذ مبادرة بعدم محاكمة

‎المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وهي المبادرة التي أشاد بها الرئيس أوباما في بيانه المشترك مع جلالة الملك‫.‬

‎وربما سيكون مفيدا ربط هذه الصيغة التي جاءت في الفقرة المتعلقة بقضية الصحراء، بالصيغة التي وردت في ديباجة البيان المشترك والتي نصت على تجدد قائدي البلدين «تأكيدهما على تشبثهما بمنظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ودورها الهام في حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية و النهوض بهما، والتزما بتعميق الحوار المغربي- الأمريكي الجاري حول حقوق الإنسان، الذي شكل آلية منتجة ومفيدة من أجل تبادل وجهات النظر والمعلومات» وقد تفيد عبارة «تبادل المعلومات» وضع إطار للتوضيح خصوصا بعد أن اتهم الخطاب الملكي الأخير في البرلمان بعثات دبلوماسية ومنظمات حقوقية دولية بتلقي رشاوى ما قبل صياغة تقارير حقوقية عن الصحراء تكون على مقاس المشروع الانفصالي الجزائري في الصحراء.

‎في مستوى آخر، يمكن القول إن الترتيب الذي جاء به الموقف الأمريكي يساير بشكل ملموس وجهة النظر المغربية والفرنسية في الجانب المتعلق بالربط بين حل النزاع المفتعل في الصحراء وتسوية قضايا الأمن والإرهاب في الساحل والصحراء، ولم يكن من باب الصدفة فقط أن تأتي الفقرة المخصصة في البيان المشترك لـ«التعاون في مجال الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب» مباشرة بعد الفقرة المخصصة لنزاع الصحراء، حيث يسجل باراك أوباما وجلالة الملك «شراكتهما على صعيد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، خلال السنتين الأخيرتين للنهوض بالسلم والأمن الدوليين، ولاسيما بمالي والساحل وسوريا وليبيا والشرق الأوسط» قبل أن يؤكدا أنه «وانسجاما مع انشغالهما بخصوص التهديد المتواصل الذي يمثله الإرهاب، تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية والمغرب مواصلة تعاونهما بهدف دعم المؤسسات الديموقراطية للعدالة الجنائية ومواجهة خطر التطرف العنيف بالمنطقة. كما جدد القائدان التزامهما إزاء مبادرات التعاون الإقليمي». قبل أن يلتزما « بمواصلة التعاون الوثيق في إطار المنتدى الشامل لمكافحة الإرهاب وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، ولاسيما عبر اتحاد مغاربي قوي، وكذا منتديات إقليمية أخرى» .

‎ليس ذلك فقط ما يرجح كفة التصور المغربي لإقامة حكم ذاتي على حساب إقامة دويلة فاشلة في الصحراء تقع فريسة التنظيمات الإرهابية خصوصا بعد تواتر التقارير الدولية عن تزايد الارتباطات بين البوليساريو والتنظيمات الجهادية، فالبيان المشترك يكشف عن وضع قضية الصحراء وقضايا الأمن والإرهاب في الساحل في سياق أشمل بعد أن «سجل قائدا البلدين بارتياح تقييمهما المشترك للدور الحاسم للتنمية البشرية والاقتصادية في تحقيق الاستقرار والأمن في القارة الإفريقية، والتزما بمواصلة استكشاف و تعميق خيارات ملموسة لتعاون عملي وتشاركي حول قضايا اقتصادية وتنموية ذات الاهتمام المشترك وهي صيغة تنضاف لما سبق وعبر عنه جلالة الملك وأوبما بخصوص« أهمية المغرب باعتباره قاعدة للانطلاق بالنسبة لشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء في مجالات التجارة والاستثمار»‫.‬

‎ ومن البديهي أن اعتبار المغرب قوة إفريقية صاعدة وبوابة لأمريكا نحو إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، سيجعله رقما مهما في معادلات حساب المصالح الأمريكية التي ستضع قضية الصحراء في هذا الإطار الاستراتيجي الأوسع و الأشمل‫.‬