• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الإثنين 30 سبتمبر 2019 على الساعة 11:00

يوم في قلب الخدمة العسكرية.. جيش يصنع المُواطَنة (صور)

يوم في قلب الخدمة العسكرية.. جيش يصنع المُواطَنة (صور)

تـ: ع. رازق

اعتدنا أن نسمع الكثير عن الجيش، وعن النظام والصرامة والانضباط داخل هذا الجهاز الذي طالما عرف ب”الجهاز الصامت”. ومع الإعلان عن انطلاق الخدمة العسكرية كثرت الأقاويل، ضجت الشبكات الاجتماعية بالنقاشات حول المجندين الجدد وما سيختبرونه داخل مراكز التدريب.

حملنا معنا الكثير من الأسئلة والاستفسارات إلى من هم وراء الأسوار العالية المسيجة المحيطة بالمركز الأول للتكوين والتجنيد لمختلف الأسلحة_ مركز ملحق خاص بالمجندين، في الحاجب، وهو المركز الذي أنشئ وجهز في ظرف عام واحد.

داخل المركز رافقنا، طيلة يوم كامل، ما مجموعه 3400 مدعو للخدمة العسكرية برسم سنة 2019-2020، من ضمنهم 250 مجندة، يتلقون تكوينهم داخل هذا المركز، واستمعنا إلى حكاياتهم وتجاربهم داخل “مصنع حماة الوطن”.

النداء الأول

الساعة تدنو من الخامسة صباحا، لم يبزغ نور الشمس بعد، ولا حركة في الأرجاء، ولا صوت يعلو على صوت أقدام بعض العساكر الذين يتقدمون بخطى متسارعة وثابتة نحو ساحة مقابلة للباب الرئيسي لمركز التجنيد.

يقفون على شكل خط مستقيم مقابل لمراقد المجندين الجدد، ما أن يقف عقرب الساعة بدوره على الخامسة، حتى يبدأ أحدهم بالنفخ في بوق، نفخات تعلن عن بداية يوم جديد، يوم جديد من تجربة انطلقت قبل حوالي ثلاثة أشهر، منها شهر في المركز.

مع صوت البوق تبدأ التعليمات، التي لا تتوقف طيلة اليوم، تضاء الأضواء تباعا في المراقد، وتذب فيها الحركة، ويبدأ المجندون في الاستيقاظ وتوظيب أسرتهم، قبل التوجه إلى الحمامات.

داخل مرقد خاص بالمجندين الذكور، كتبت على بابه عبارة “بلوك 1″، وهو مرقد يضم أربع غرف تضم العديد من الأسِرة، تتردد عبارة “أكتيفي آ ولدي” مصحوبة بصوت صفارات تصدر عن مؤطر دوره الإشراف على عملية إيقاض المجندين.

في الممر بين الغرف الأربع التي يضمها المرقد، وبين الحمامات، تمر أسراب من المجنديين حليقي الرأس، أغلبهم طويلو القامة، يرتدون بذلات رياضية كتبت عليه عبارة “تجريدة المجندية للخدمة العسكرية”، واضعين على أكتافهم فوطا خضراء اللون.

ربع ساعة من الزمن فقط أمام المجندين لترتيب أسِرتهم والتوجه إلى الحمامات تم مغادرة المرقد نحو الساحة التي تتوسط المراقد، كل هذا يتم في انتظام تام، فلا شيء هنا مرتجل.

في الساحة يبدو الأمر كخلية نحل، المجندون يغادرون المراقد مرتدين بذلاتهم وأحذيتهم الرياضية الموحدة، يشرعون في أخد أماكنهم في جنبات الساحة، على شكل مجموعات محددة العدد، يجدون في انتظارهم مدربين بدنيين صارمين للقيام بتدريبات صباحية قبل تناول وجبة الإفطار.

هدف هذه الحصة الصباحية من التداريب، يقول زكرياء، وهو مدرب رياضي في مركز التجنيد، “تعزيز الثقة في النفس لدى المجندين والاعتماد على النفس”، مؤكدا أن المجندين “تغيروا كثيرا مقارنة مع أول يوم لهم في المركز، خاصة من حيث الانضباط”.

هذا ما يظهر جليا من حركات المجندين الذين ملؤوا جنبات الساحة، مرددين أناشيد مختلفة.

مجموعة هنا تردد “جندي جوي بحري بري.. مشاة مشاة.. إلى السلاح إلى الكفاح إلى العدو.. شعارنا الله الوطن الملك.. صحراؤنا مغربية مغربية.. عاش الملك عاش الملك”، وأخرى هناك تردد “مشاة مشاة في طريق الوغى.. بالقلوب بالقلوب.. بالدماء بالدماء نحمي الوطن.. وطني وطني.. عالمي عالمي.. نحن جنود للوطن نحن فداء للوطن”.

المجندات بدورهن يخضعن لنفس التدرايب، لا فرق بينهن وبين زملائهن الذكور، هن أيضا يرددن بصوت واحد نشيد “جندية مغربية تكافح في سبيل الله الوطن الملك.. شعارنا الله الوطن الملك”، تزامنا مع القيام بحركات بدنية رياضية لا تتوقف، والتي تقول المجندة سكينة الوضيلي إن الهدف منها “بناء الجسم للتأهل اليومي وقضاء اليوم برشاقة وجدية”.

سكينة لا تخفي أن الأمر بداية كان صعبا على الكثير من المجندات “اللي ما مولفينش الفياق بكري والرياضة الصباح، لكن مع المدربة ديالنا قدرنا نولفو”.

الأمر ذاته تؤكده المجندة فاطمة الزهراء (21 سنة)، القادمة من تاونات، بقولها: “ولفنا وعجبنا الحال كلشي كيتعامل معانا مزيان”، وتضيف: “شحال هادي كنت باغية نجي ندخل للتجنيد، فاش عطانا سيدنا الأمر دفعت وجيت، كنت فرحانة بزاف أنني نكون مواطنة صالحة ونلبي النداء ديالو”.

رغبة فاطمة الزهراء في خوض تجربة الالتحاق بالخدمة العسكرية لم تعارضها أسرتها، وتقول: “والديا ما عارضوش أنني نجي للتجنيد حيت هو حاجة زوينة”.

تستمر التداريب الصباحية وسط الساحة وفي جنباتها، أفواج هنا وأخرى هناك، صرامة وانضباط شديدان لا تخطئهما العين، ولا خطوة هنا تخطى عبثا، كل شيء محسوب ومدروس ومخطط له، هنا لا تسمع سوى صوت تعليمات المدربيين الرياضيين، وتنهيدات المجندين وصوت أقدامهم تذب على الأرض، وأناشيدهم التي يتردد صداها في الأرجاء.

النشيد الوطني.. طقس يومي

التدرايب تتوقف بشكل مؤقت ليتناول المجندون وجبة الإفطار، تخلو الساحة من الجميع، الكل اتجاه صوب المطعم، وبعد الإفطار يعود المجندون إلى الساحة في الساعة السابعة والنصف، لترديد النشيد الوطني.

تأخد مجموعات المجندين مكانها وسط الساحة التي تتوسطها منصة عليها عمود يحمل العلم الوطني، كالعادة الجميع يعرف موقعه ومكان وقوفه وأيضا طريقة وقوفه، مجندان اثنين يصعدان إلى المنصة، والبقية تقف في شكل دائري محيط بالمنصة.

رفع العلم الوطني طقس يوميا هنا، لا يتغير موعده ولا طقوسه، التي لا تبدأ إلا بأمر من الكولونيل ماجور، الذي يحضر ويجرى هذا الطقس تحت أنظاره وتعليماته.

بمجرد ما أن تُسمع عبارة “تحية العلم أرسلوا”، يبدأ عازف في النفخ في بوقٍ إلى أن يرفع العلم الوطني ويرفرف عاليا، ينسحب المجندان اللذان تكلفا برفع العلم الوطني من المنصة إلى مكان قرب العازفين الذين اتخذوا مكانهم إلى يمين الكولونيل ماجور.

الكل يقف باستقامة، في وقفة عسكرية صارمة، أقدام بوضعية 45 درجة (على شكل V) ، أعناق مشرئبة ورؤس شامخة، أصوات رجالية ونسائية تصدح سويا “هب فتاك لبى نداك”، لتعلو الأصوات بشكل أقوى مع آخر مقطع من النشيد الوطني، لتخترق عبارة “الله الوطن الملك” الفضاء.

انطلاق التداريب مجددا

مباشرة بعد النشيط الوطني، تنطلق مجددا حصص التدريبات اليومية، مجموعات تبقى هنا في الساحة الرئيسية، إحداها ستخضع لتدريب تحت قيادة الملازم مراد جعدة، مكون في المركز، والذي قال إن حصة هذا الصباح ستخصص لتلقين المجندين كيفية الحفاظ على النظام وسط المؤسسة العسكرية.

يقول الملازم مراد: “أساس الجيش هو الطاعة والنظام، يبدأ من الزي الموحد، وتنفيد الأوامر التي تعطي لهم جماعة وبانضباط”.

مجند: جيت للتجنيد باش نغير حياتي

في الصفوف الأمامية من المجموعة التي تخضع لهذا التمرين، وقف شاب في العشرينيات، ملامح صارمة تعلو محياه، هو مجند قادم من مدينة تازة، وطالب جامعي في شعبة الاقتصاد.

يقول عن تجربته في الخدمة العسكرية: “عمري ما خدمت، وأنا اللي تطوعت وجيت للتجنيد باش نغير حياتي، كنا فالدار معولين على الوالدين هنا ما كاينش داك الشي، فالدار كنت كنفيق مع الطناش، هنا لا، هنا الفياق مع الخمسة، بدينا كنولفو هاد الشي”، قبل أن ينهي حديثه برسالة إلى الشباب المغاربة: “اللي بغا يولي رجل بالمعنى الحقيقي الخدمة العسكرية هي الحل”.

تدريب على الرماية

مجموعة أخرى في الجهة المقابلة تخضع لتدريب آخر، حصة تدريب تقني على الرمي، عنوان الدرس، يقول لادجيدون محمد باخوش، مدرب الرماية، أمام 50 مجندا الحاضرين في الحصة، هو “العموميات حول التدريب التقني على الرماية”.

لادجيدون باخوش يشرح الدرس بالتفاصيل، أي كيف يضع المجند عينه على السلاح؟ وكيف يحدد الخط الوهمي؟ وكيف يصوب؟، الشرح بجميع اللغات، ويردد عبارات من قبيل “خط التسديد، العين المديرة…، وعبارات أخرى ألف المجندون سماعها في هذه الحصة.

“كل مجند خاص يعرف يستعمل السلاح ديالو، يلا ما عرفش يستعمل السلاح ما غيكونش جندي أو مجند”، مشيرا إلى أن المجند تلزمه 3 أو 4 حصص لتعلم الرماية، شريطة أن يتلقى جميع المعلومات اللازمة، والتي تلقن له عبر دروس نظرية ودروس تطبيقة تنظم خارج المركز.

محمد آيت مري، مجند ممن يحضرون هذه الحصة، يقول واصفا إحساس التعامل مع السلاح: “أفتخر أنني سأحمل السلاح لأدافع عن وطني”، قبل أن يضيف ابن قلعة مكونة: “جيت بخاطري أنا اللي بغيت، الدفاع عن الوطن شرف”.
ولا يخفي الشاب، ذو 24 ربيعا، أن أمورا كثيرة تغيرت في حياته بعد الالتحاق بالخدمة العسكرية.

التربية على المواطنة

التداريب في المركز ليس كلها بدنية، فداخل قاعة بعيدة عن الساحة التي تتوسط المركز، تجرى حصة نظرية عنوانها “التربية على المواطنة”، يحضرها عدد من المجندات، واختير لها كعنوان للدرس “الوطن”.

المجندات بتسريحات موحدة، شعرهن صفف على التسريحة التي تعرف بالكعكة (أو السفنجة بالعامية)، جلسن إلى طاولات كل واحدة على حدى، ووضعن قبعاتهن العسكرية إلى الجانب الأيمن من الطاولة.

تستفسر مؤطرة الدرس عن عنوان الدرس السابق، وعن ما اختزنته ذاكرات المجندات، قبل أن تشرع في شرح الدرس الجديد.

الجواب لا يكون إلا بعد أخذ إذن المؤطرة، تعرف مجندة بنفسها، لتذكر بالدرس السابق الذي كان عنوانه “النشيد الوطني”.

مجندة: لبيت طلب الملك وحققت حلم والدي

داخل حجرة الدرس، تجلس فاطمة بنعمر، مجندة قادمة من مدينة أرفود، في مقدمة الطاولات. تقول إنها كانت من الأوائل الذين طلبوا الالتحاق بالخدمة العسكرية، وتضيف: “هاد التجربة فخر ليا، وفرحت لأنني لبيت طلب الملك، وحققت حلم الوالدين ديالي، وحلمي أيضا، وهادي تجربة ما كتتعاودش”.

وتتابع فاطمة، ذات ال19 ربيعا، والحاصلة على البكالوريا سنة 2019، “تغيرت فيا بزاف ديال الحوايج، هنا عرفت باللي المرا قادة تدخل لجميع المهن واخا كيقولو باللي ما غتقدرش”، قبل أن تستدرك: “التجنيد فيه آفاق أخرى، وخلى فيا آثار إيجابية كون كنت على برا ما غنلقاش هاد الشي اللي كاين هنا”.

مجندة: حلم الطفولة

التجنيد لم يكن حلم فاطمة لوحدها، تتقاسمه معها بشرى أخموش، ابنة مدينة مكناس، التي تحدثت عن تجربتها بالقول: “هادا كان الحلم ديالي خاصة أن الوالد ديالي جندي”.

تسكت لثوان لتضيف بنبرة حماس: “شرف ليا أنني جيت للتجنيد، وشرف للمرأة المغربية العمل فالجيش”.

وعن الظروف داخل مركز التجنيد، تقول بشرى، ذات ال24 سنة، “المسؤولين هنا ساهرين على النظافة والمأكل والنوم ديالنا، وهادي مناسبة باش نشكروهم، ونشكرو سيدنا على هاد الفرصة”.

الأم.. الداعم الأول

تتحدث المجندة شيماء السنوسي، القادمة من مدينة كلميم، عن تجربتها، وتقول: “أول مرة نكتشف الإعلان عن الخدمة العسكرية فالتلفزة، وزعماتني الوليدة ديالي”، لتضيف: “كان طموحي نجي للخدمة العسكرية وربي وفقني، والنهار الأول لقينا المسؤولين والمؤطرين ساهرين على راحتنا”.

وعن ما إذا ندمت على قرار الالتحاق بالمركز، تقول ذات ال20 ربيعا: “لا ما ندمتش لأن طموحي كان هو الخدمة العسكرية”.

قصة شيماء لا تختلف كثيرا عن قصة مجندة أخرى من تارودانت، التي حققت حلمها بالالتحاق بالخدمة العسكرية، بعد دعم ومساندة من والدتها.

تقول المجندة، الحاصلة على بكالوريا علوم فيزيائية، “هذا حلم الطفولة وبغيت نحققو، إحساس زوين أنني هنا، وماما كانت المساندة الرسمية ديالي باش نتسجل”.

وتعود بذاكرتها إلى الوراء قليلا، ثم تضيف: “كنت كندوز الباك وفرحانة حيث حاسة أنني غنتقبل، وهاد الشي زوين بزاف”.

وعن الحياة داخل المركز تقول المتحدثة: “بزاف ديال الحوايج تبدلو، حسيت بالمسؤولية اللي ما كنتش كنحس بيها من قبل، حسي بالوطنية والانضباط”، وتسترسل: “جيت على هدف ونتمنى نوصل ليه، كانوا كيقول باللي التجنيد خايب، بالعكس باش تفدي وطنك إحساس زوين”.

لا مكان للنعومة

إلى جانب الحجرة التي تلقن فيها دروس التربية على المواطنة، اجتمعت مجندات أخريات في ساحة رملية، اصطففن باستقامة وانضباط أمام الرقيب زكرياء، مدرب الرياضة، لتعلم درس في فنون القتال، عنوانه “ضربة الرجل الدائرية”.

في هذه الساحة، لا مكان للنعومة ولا كل تلك المرادفات التي ترافق عادة الجنس اللطيف، تحل محلها كلمات أخرى من قبيل الصلابة، القوة، الدفاع عن النفس. توجيهات وتعليمات المؤطر لا ترد ولا تناقش والجواب عنها يكون في التو واللحظة.

يبدأ الرقيب زكرياء درسه بعبارة “درس اليوم هدفه تمكين المجندة من الدفاع عن نفسها”، يستفيض في وصف الحركة المطلوبة من المجندات تنفيذها، قبل أن يطلب من إحداهن التقدم لتطبيق التمرين.

فرصة من ذهب

“فالبداية هاد التمارين كانت قاصحة ولكن مع المدة تعلمنا”، تقول المجندة كوثر حسني، وهو ما توافقها عليه المجندة فاطمة الزهراء الشتوي، التي تضيف: “كنتعلمو بزاف ديال الحوايج بحال الدفاع عن النفس، بهاد الشي نقدرو نحميو نفوسنا”.

قرب فاطمة الزهراء الشتوي تقف مجندة أخرى تدعى سناء الحجلي، ابنة مدينة الرباط، التي ردت على سؤال حول سبب وجودها في المركز بالقول: “جيت للتجنيد تلبية لنداء جلالة الملك”.

تسترجع المجندة، ذات 23 عاما، شريط الأحداث، ثم تضيف: “فالأول عائلتي كانوا رافضين ولكن من بعد تفهّموا… هنا الإنسان كيتنظم بزاف، كاين الانضباط والاحترام”.

“أنا كنشجع البنات اللي قادرين يجيو يجيو، ما يضيعوش هاد الفرصة لأنها فرصة من ذهب”، بهذه الرسالة الموجهة إلى الفتيات تنهي سناء حديثها.

الخوف طبيعي ولكن…

قرب الساحة التي تتمرن فيها المجندات على حركة “ضربة الرجل الدائرية”، ساحة أخرى يتلقى فيها عدد من زملائهن الذكور درسا حول تقنيات قفز الحواجز.

هنا الزي الرسمي الأخضر مع خوذة خضراء اللون، تفاديا لأي إصابة محتملة أثناء تنفيذ التمرين.

وكالعادة، تعليمات وتوجيهات المؤطر يوسف صارمة ولا تتوقف طيلة الحصة، شرح تفصيلي وواضح ومسهب للخطوات التي ستمكن المجندين من تخاطي حاجر بعلو مترين.

يتناوب المجندون على تنفيذ التمرين أمام أعين المؤطر، بعضهم بمهارات عالية وبعضهم بصعوبة، فالحاجز علوه متران وخوف الإنسان قد يكون أعلى أحيانا، “لكن الخوف حاجة طبيعية من عند الله، كنحاولو نتغلبو عليه بإذن الله”، يقول المؤطر يوسف.

وعن الغاية من هذا الدرس يوضح يوسف: “كنعلمهم الجاهزية البدنية ديال التجنيد، واكتساب مهارات تجاوز الحواجز”.

مهارات بدأت ملامحها تظهر على بعض المجندين الذين قال أحدهم: “كتحس براسك مخير، وكتحس بنوع من الفخر فاش كدير هاد الشي، وكتتعلم حاجة جديدة”.

النظام.. في الأكل أيضا

الساعة 12 زوالا، التداريب تتوقف بشكل مؤقت ليتناول المجندون وجبة الغذاء.

يبدأ المجندون في مغادرة فصول الدرس وساحات التدريب متوجهين إلى المطاعم، بخطواتهم العسكرية المنتظمة وأناشيدهم المعتادة.

أمام أحد المطاعم، تقف المجندات في صف طويل، جزء منهن إلى الجانب الأيمن من الباب والجزء الآخر إلى الجانب الأيسر، مشكلات بذلك خطين متوازيين.

تتقدم المجندات بشكل ثنائي نحو مدخل المطعم، وبمجرد ما أن تطأ قدما إحداهن أرضية المطعم حتى تزيل بحركة رشيقة قباعتها لتضعها في ظهرها محكمة عليها بحزام البذلة العسكرية التي ترتديها.

بعد تسلم وجبة الغداء، التي كانت عبارة عن سلطة وحساء (مرقة) من البطاطس والجزر و”بيصارة” وقطع لحم وخبز وفاكهة وماء، تتوجه المجندات لأخذ أمكنتهن في طاولات الطعام، فالنظام هنا في كل شيء حتى الأكل.

في المركز، النظام الغذائي صارم، ويتم تحديده من قبل لجنة مكونة من أخصائيين وأطباء، تسهر على إعداد قائمة الواجبات التي تقدم للمجندين، وهذه القائمة يتم تغييرها كل شهرين.

حج وحاجة

بعد تناول وجبة الغداء، تأتي أخيرا فترة لراحة المجندين، قبل أن تستأنف التداريب مجددا في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، لتعقبها أنشطة ترفيهية تمكن المجندين من الترويح عن النفس، قبل أن ينتهي يوم المجندين في حدود الساعة العاشرة ليلا.

بعض المجندين اختاروا الأنشطة الترفيهية الرياضية، وتجدهم يلعبون كرة اليد، في ملعب مخصص لهذا الغرض داخل المركز.

وبعيدا عن الملعب، داخل قاعة كتلك المخصصة للدروس النظرية، اختارت فئة أخرى من المجندين الموسيقى، مجموعة من حوالي 10 مجندين، بعضهم يحمل آلات موسيقية كالقيثارة، والبندير، والدربوكة، والكمنجة.

بعد “تسخينات” موسيقية، والاستئناس بالآلات، شرعوا في عزف وغناء مقطوعة “صوت الحسن ينادي”، بعزف موفق وعذب وأصوات جميلة ومتمكنة.

هنا تختفي قليلا تلك الملامح الصارمة والجدية التي ألفها كل من في المركز، لتعوضها ملامح تعلوها ابتسامة خجولة وانشراح.

الانسجام داخل المركز ليس فقط في الحركات العسكرية، بل أيضا في الموسيقى وترديد كلمات الأغاني ومواكبة الإيقاعات التي عزفها المجندون، فالأمر ليس مجرد ترفيه بل هو أيضا يدخل في إطار استعداداتهم لحفل تخرجهم، حيث سيعزفون ويغنون وينتشون بنهاية تجربة أكسبتهم الكثير وغيرت حياتهم بشكل كامل.

المجندون الموسيقيون اختاروا أن ينهوا حصتهم الترفيهية بأغنية من إبداعهم، أغنية تلخص حكايتهم وحلمهم، ورددوا بصوت جماعي وكلهم حماس وعزيمة: “حنا شباب رجال المغرب.. جينا نلبيو نداء الملك.. جينا من بعيد قاصدين التجنيد.. تجربة جديدة بها نمشيو بعيد.. كلنا طموح وعزيمة.. معانا الدعاوي ديال الميمة.. البارح كنت صغير واليوم راني كبير.. وغنولي مفيد بالخدمة العسكرية”.

50 تخصصا و3 مراحل

أوضح القبطان عبد الفتاح غنام أن تكوين المجندين يمر عبر مرحلتين، مرحلة أولى تمتد طيلة 4 أشهر، وتسمى بمرحلة التكوين الشمولي، وخلالها يتلقى المجند قيم الانضباظ وغرس روح المواطنة.

أما المرحلة الثانية، يضيف المتحدث، فهي مرحلة التكوين الخاص وتمتد 6 أشهر، وتشمل عدة تخصصات، حوالي 50 تخصصا، تتم في عدة مراكز، ويتيح مركز الحاجب 4 تخصصات للذكور و5 للإنات، والاختيار من بين هذه التخصصات يعود إلى المجند، الذي يختار بناء على رغبته وكفاءاته.

أما المرحلة الثالثة، حسب القبطان غنام، فسيتم خلالها القيام بزيارات ميدانية إلى مراكز عسكرية أخرى.

صرف الأجرة الأولى

تم رسميا صرف أول أجرة للمجندين الجدد يوم 24 شتنبر الجاري، وتختلف هذه الأجرة حسب مستوياهم العلمي، حيث يحصل من هم دون مستوى البكالوريا على 1050 درهما شهرية، ويتلقى الحاصلون على البكالوريا 1500 درهم، بينما تصل أجرة الحاصلين على الإجازة إلى 2000 درهم.