• زعيم “إرهابي” حليف لكابرانات الجزائر.. الجنائية الدولية تلاحق إياد أغ غالي
  • على “نيتفليكس”.. فيلم “مروكية حارة” لهشام العسري في الصدارة
  • لطيفة رأفت: تعرضت لضغوطات نفسية وأي واحد تجرأ أنه يمسني غادي نلجأ للقضاء
  • بعد دعوات لمقاطعة حفله في موازين.. الفنان التونسي “بلطي” ينفي دعمه للبوليساريو
  • لتحليل العلاقات بين المغرب وإسبانيا والبرتغال.. منتدى حقوق الإنسان لمهرجان كناوة وموسيقى العالم ينظم لقاءً بالصويرة
عاجل
الجمعة 12 أكتوبر 2012 على الساعة 18:15

تحليل إخباري.. نحو ولاية تشريعية مؤسسة

تحليل إخباري.. نحو ولاية تشريعية مؤسسة

 

يونس دافقير

هو أول خطاب يوجهه الملك إلى البرلمانيين منذ انتخاب مجلس النواب في الخامس والعشرين من نونبر الماضي. ولذلك بدا خطابا مؤسسا للمنظور الملكي لمكانة المؤسسة التشريعية في الدستور الجديد، ولطبيعة العلاقة بين الملك والبرلمان، وللعلاقة بين البرلمان والدستور، وحتى لطبيعة العمل البرلماني في هذه الولاية التي لا تشبه مثيلاتها في البرلمانات السابقة.

منذ الوهلة الأولى، يلاحظ القارئ حرص الخطاب على أن يتضمن مقدمة تمهيدية تضمنت إحالات على مكانة البرلمان في الدستور الجديد، من حيث أنه “مصدر وحيد للتشريع الذي توسعت مجالاته”، وكذلك سلطاته في “تقويم السياسيات العمومية”، ووضع “قوانين مؤسسة” خلال الولاية التشريعية.

إن التأكيد على السلطات الجديدة للبرلمان ومكانته الدستورية لا تعكسها فقط الإحالات الدستورية، بل إن صيغة الخطاب والأفعال التي استعملها تعاملت مع البرلمان بصفته سلطة، وأيضا ذات استقلالية، ولذلك لم يستعمل الخطاب الملكي أفعال تحيل على صيغ الأمر، بل استعمل أفعال من قبيل “نهيب” أو “ندعو” وهي إحالات على ملتمسات معنوية وتوجيهية أكثر منها على تعليمات تنتظر الاستجابة باعتبارها أوامر عليا.

أحيانا يحوم الإلتباس حول بعض فصول الدستور جراء التأويلات المصاحبة لها، ومن ذلك ما إن كانت هناك سلطة تشريعية أخرى خارج البرلمان، وبتعبير أوضح ما إن كان الملك يملك سلطة التشريع بالظهائر الملكية، الخطاب الافتتاحي للدورة الخريفية يحسم في ذلك بالتأكيد على احتكار المؤسسة البرلمانية للعمل التشريعي.

ومن الأمور الأكثر إثارة في خطاب أمس الجمعة، تذكيره البرلمانيين بأحد أكثر صلاحيات البرلمان حساسية والتي لم تمارسها المؤسسة التشريعية منذ وضع أول دستور سنة 1962، وقد كان لافتا مثلا إشارة الخطاب الملكي مرتين إلى إمكانية تعديل الدستور بمبادرة ملكية عبر البرلمان ودون اللجوء إلى الاستفتاء، بل وحتى إمكانية أن يقدم البرلمان على تفعيل صلاحياته التعديلية عبر تقديم مقترح تعديل الدستور بمبادرة منه.

لكن السنة الأولى من الولاية التشريعية الحالية تؤكد، وبإجماع المراقبيين للعمل البرلماني، أن السلوك البرلماني لم يرتق بعد إلى مستوي السلطات الجديدة للبرلمان والرهانات المطروحة عليه، ومن البديهي أن يتضمن الخطاب الملكي، المستشرف للأفق الدستوري الجديد لممثلي الأمة، إشارات توجيهية للسلوك الرقابي والتشريعي، تدعو إلى “القطع مع الممارسات المتجاوزة والتطوير الجذري للعمل البرلماني”، وبرلمان بالصلاحيات التي هي بين يديه الآن، لم يعد مقبولا منه التردد أو انتظارات الإشارات من جهات ما، إنه مطالب بالتحلي بـ”الشجاعة والحزم” في ممارسة صلاحياته الدستورية.

وإذا كانت الولايات البرلمانية السابقة مطبوعة بالعمل التشريعي العادي والرقابي على الحكومة، فإن الولاية الحالية ذات طابع خاص، لقد أحال الدستور على وضع 19 قانونا تنظيميا هي بمثابة “نصف الدستور”، وهذا ما يجعل من الولاية الشتريعية الحالية ولاية مؤسسة للبناء الدستوري الجديد، واللمك يحرص على تذكير البرلمانيين بأنهم ممارسون لسلطة تريعية ورقابية، لكن وقبل ذلك لسلطة تأسيسية.

والتأسيس للدستور ينبغي أن يتم في إطار احترام مرجعية الوثيقة وروحها،و إذا كان الملك قد سبق له في خطاب سابق أن أشار إلى ضرورة احترام روح الدستور وتأويله تأويلا ديمقراطيا، فإنه أعاد في خطاب الافتتاح البرلماني التأكيد على احترام الدستور ثلاث مرات على الأقل، الأولى حين إشارته إلي توفير شروط تنصيب مجلس المستشارين الجديد بـ”احترام روح الدستور” فيما يخص الجهات، وتكرر الأمر ثانية في الإحالة علي وضع القوانين التنظيمية للقضاء والتي ورد فيها إشارة إلى “آلالتزام بروح الدستور”، وكرر الملك ذلك مرة ثالثة حين تأكيده في وضع قوانين هيئات الحكامة على “الإلتزام بمقتضيات الدستور”.

ويلاحظ القارئ لنص الخطاب عند تحديده للأولويات التشريعية، أنه يحترم اختصاصات الحكومة في وضع مخططها التشريعي، ولذلك فإنه حين تدخل في تحديد الأولويات التشريعية، ركز على المؤسسات التي يتدخل فيها الملك إما بصفته رئيسا للدولة يسهر على السير العادي للمؤسسات الدستورية، أو باعتباره ضامنا للحقوق والحريات ولاستقلالية السلطات، لذلك سنجدة يعطي الأولوية لقوانين الجهات ومجلس المستشارين بصفتها مرتبطة بهيكلة الدولة والسلطة التشريعية، وتدخل في اقتراح التعجيل بقوانين القضاء باعتباره الضامن لاستقلال السلطة القضائية ولكون المجلس الأعلي لهذه السلطة هو البناء المؤسساتي الدستوري المهيكل لهذه الضمانة، ويكاد الأمر نفسه ينطبق على هيئات الحكامة التي أشار إليها الملك باعتبارها هيئات ذات سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية.

إنه باختصار خطاب يؤسس لمنظور الديمقراطي في العلاقة بين الملك وبين ممثلي للأمة. التزاما بروح الخيار الديمقراطي والطابع البرلماني الوارد في الوثيقة الدستورية.