• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الأربعاء 06 نوفمبر 2013 على الساعة 14:50

الصحراء: معركتنا الكبرى

الصحراء: معركتنا الكبرى لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

عناوين لفهم ما يقع

أحيانا ننسى الأهم ونجري وراء الأقل أهمية. نعطي للأمور حجما غير الحقيقي الذي تمتلكه، وتجرنا صراعات اليومي العابر إلى تجاهل ما يشكل الفيصل الفعلي في المسار كله. ذلك هو حال قضية الصحراء في المغرب اليوم. الإحساس السائد لدى الناس ولدى السياسيين أنها مجال مضمونة حمايته: الملك يتحرك في كل الاتجاهات في هاته القضية بالتحديد، ولا خوف علينا ولا مشكل على الإطلاق، ولسنا مطالبين من جهتنا بأي شيء. سوى أن الوضع يلزمه بعض التوضيح.

الشعب أيضا ملزم ببعض الاستيعاب لمعنى الصحراء ولقيمتها ولمغزاها ومغزى بقائها ضمن وحدة المغرب الترابية. والأحزاب السياسية، تلك التي تمضي الوقت متناقرة حول البرامج التي لم نر لها أُثرا، وحول التصورات التي لا نعرف إن كانت حقيقية أم متخيلة لمجتمعنا, عليها أن تفهم أن أولى مسببات وجودها هي أن تكون قادرة على إقناع منتسبيها والمتعاطفين معها بمعنى وأهمية وقدسية الوحدة الترابية للوطن، قبل أن تقنعهم بأنها (أي الأحزاب) مجرد معابر للصعور وبناء السيفيهات والكارييرات الشخصية.

 

الراية وأشياء أخرى

ولقد أعجبني موقف الشعب المغرب من حكاية حرق أو نزع العلم الجزائري من أعلى قنصلية البيضاء. ورأيت في المسألة مثلما رأى فيها الجميع، علامة نضج بالغة من شعبنا على أننا لن نسقط في فخ الاستفزاز والمساس بالرموز وما إليه من التفاهات التي يتقنها الإعلام الحربي الجزائري، وعلى أننا نعرف إقامة الفوارق جيدا بين العابر التافه مثل بوتفليقة وجنرالات المرادية، وبين الثابت العميق مثل شعب الجزائر وعلمها وبقية رموزها التي لا نحتفظ تجاهها إلا بالتقدير والاحترام.

 

لكن هذا الموقف يجب أن يرافقه موقف آخر أكثر حزما يقوم على مقولة المغاربة الشهيرة “اللهم ارحمني عاد ارحم والدي”. ذلك أن الغضب لنزع علم الجزائر والمسارعة للتنديد به ووضع الأعلام الجزائرية على صور البروفايلات في المواقع التواصلية، وكتابة المقالات التمجيدية للأخوة المغربية الجزائرية شيء، والغضب لما يمس هذا الوطن أولا شيء آخر.

نعم جميعنا نحب الراي ومغنييه وكتاب الجزائر وأصدقاءنا هناك، ونحتفظ لهم بكل الود الممكن. لكننا نحب وطننا أكثر. وحقيقة تساءلت (بين وبين راسي لئلا يغضب منا أحد مرة أخرى): كيف نغضب لنزع علم الجزائر ولا نغضب لنزع الجزائر برقع الحياء مع المغرب المرة بعد الأخرى؟

كيف يستفزنا شاب أخطأ وقام بهاته الحركة، ولا تستفزنا دولة أخطأت على امتداد كل السنوات معنا، فساندت الإرهاب ضدنا، ومولت البوليساريو ضدنا، بل وخاضت حربا دموية ضدنا، وطردت أبناءنا من أرضها بعد أن جردتهم من كل ممتلكاتهم ذات يوم؟

كيف تتحرك فينا كل عروق النخوة والزعل والغيظ من أجل رد الفعل ولا نبدي أي موقف تجاه الفعل الأول ذاته؟

أعرف أن المغاربة قوم مسالمون وطيبون، وعادة يسقطون بسبب هاته الطيبة المبالغ فيها في الإساءة لأنفسهم مقابل الإعلاء من قدر الآخر وتقديمه عليهم, والسماح له بتصدر كل الواجهات، لكننا هنا لا نتحدث عن طبيعة داخلية تمس كل واحد منا، بل نتحدث عما يهم الوطن. وحين الوطن، عذرا، لكن لا مجال لأي طيبوبة توقعنا في الغباء

ومتى ستعتذر الجزائر؟

هاته الجزائر التي اغتاظ بعضنا لأن شابا منا انتزع علمها انتزعت منا كل الأمور، ولا تمانع ف أن تنتزعنا من الوجود إذا كان الأمر يخدم مصلحتها. هاته الجزائر _والفرق شاسع بين حكامها وبين شعبها_ تؤسس الوجود منها على معاداتنا وعلى المساس بمصالحنا، وعلى النيل منا في كل مكان. وهاته الجزائر التي نغني أغانيها ونحب شيوخها ومبدعيها وكتابها وكسكسيها وكل شيء فيها، لا تحب فينا حين تتلفع في الرسمية أي شيء، ولا تتردد في إعلان الحرب المستمرة علينا، تهريبا وفتحا لحدودنا أمام الإرهاب، وقرقوبيا قادما إلينا يفسر ارتفاع الجرائم لدينا ورداءات أخرى كثيرة.

لذلك علينا أن نفهمها: معركة الصحراء هي معركة المغرب الكبرى: سنربح كل شيء إذا ربحناها، وسنخسر كل شيء إذا خسرناها.

وحين نقول معركتنا الكبرى، نقول إنها ستجر معها كل المعارك التي نخوضها يوميا/ من معركة دمقرطة البلد حقا إلى معركة تنميته إلى معركة تعليم شعبه إلى معركة الارتقاء بناسه إلى معركة تأهيل مدنه وبواديه إلى معركة الاطمئنان على مستقبل أبنائه إلى بقية المعارك التي نرى الأهمية التي تعطى لها على أعلى مستوى في المغرب والتي يجب أن يرافقها اهتمام مماثل في كل مكان وبالتحديد لدى الشعب ولدى قواه الحية، إن كانت قوانا الحية لازالت…حية رغم كل ما يقال عنها باستمرار.

هناك معارك صغيرة جدا لا يلزمها أي كلام, نراها كل يوم في الوطن. نمر قربها ولا نلتفت. وهناك هاته المعركة، وهاته الصحراء، وهذا الوطن الذي يستحق منا كل التعبئة وكل الانتباه.

 

المسيرة الخضراء: الذكريات

حتى أكثر معارضيه شراسة قالوها منذ ثمانية وثلاثين سنة خلت: هاته الفكرة إما مجنونة وإما عبقرية. وقد ثبت بالفعل في الختام أنها عبقرية. ويوم سألوا الحسن الثاني عما كان سيفعله لو فشلت المسيرة الخضراء كان جوابه واضحا “كنت سأترك الحكم وسأرحل”.

اليوم يحتفل المغاربة بمرور قرابة الأربعين سنة (إلا سنتين) على هذا الحدث التاريخي الذي يشكل في وجدان معظمهم شيئا عصيا على الوصف: الأكبر سنا يتذكرون التفاصيل، ويستحضرن الوجوه ولحظات الإعداد والانخراط الجماعي، والرغبة التي اجتاحت أغلبية الناس يومها من أجل المشاركة في هذا الحدث.

الأواسط في العمر كانوا حينها صغارا. كل ما يتذكرونه هي تلك الروح الغربية التي سادت المكان والتي كانت تجعلهم يشعرون رغم حداثة السن, ورغم الصبا, ورغم اليفاعة وعدم القدرة على الاستيعاب بأن الأمر جلل, وبأن البلد مقدم على شيء ما للتاريخ.

الصغار لم يعرفوها لكنهم اطلعوا على بعض منها في كتب التاريخ, وسمعوا قليلا نادرا في النشرات الإخبارية ووسائل الإعلام، والتقطوا في مكان ما من الذاكرة أن المغر ب عاش في تلك السنة المسماة 1975 وفي ذلك اليوم المسمى 6 نونبر شيئا كبيرا للغاية

الآن وبعد قرابة الأربعين سنة على الحدث, لازال السؤال مطروحا: متى سيتأكد المغرب بشكل نهائي أنه استرجع صحراءه وأنه تخلص من الأطماع الاستعمارية التي ظلت ترقب هذا المكان الجغرافي والتاريخي الخاص من نوعه بعين جد شرهة تريد خيراته أو تعتبره البوابة نحو بث الفتنة في البلد الذي استطاع الحفاظ على كل أمنه حتى الآن باقتدار يصفق له الأصدقاء ويثير غيظ وحنق الأعداء، خصوصا منهم العدو الأكثر قربا والذي اختار العداء منهجية ثابتة في التعامل مع المغرب والقصد به الجزائر.

اليوم لم يعد المشكل هو إسبانيا الفرانكاوية غير القادرة على التخلص من ماضيها الاستعماري، وغير المصدقة أن الملك الحسن الثاني في أواسط السبعينيات تلك سيمتلك القدرة على المغامرة بأكثر من ثلاثمائة ألف مغربي في رحلة غير مأمونة العواقب. اللحظة أبح المشكل مع الجزائر ومع إيمان الجزائر أن هاته الصحراء سيكون بها المغرب أو لن يكون أبدا.

 

قضية شعب بأكلمه

بكل اللغات قلناها، وعبر كل الأجيال حاولنا أن يدركها الجيران، وبكل الحساسيات السياسية حتى الأكثر معارضة (رحم الله عبد الرحيم بوعبيد وموقفه التاريخي من الاستفتاء حول الصحراء): هذا المجال ليس مجال نقاش, وليس مجال مفاوضة، وليس مجال جدال. هذا المجال يسمى وحدتنا الترابية، وكل ما قد نملك تقديمه للراغبين في الشعور ببعض الارتياح تجاهنا هو أن نقول لهم “فليكن حكما ذاتيا تحت راية المغرب, وذلك أقصى الإيمان”. ما عداه غير ممكن مع أن السياسة هي فن الممكن، لكن لا سياسة مع وحدة الوطن, ومع التعامل معه كاملا مكتملا.

كيف يمكن أن تشرح لبوتفليقة ومن يحركون بوتفليقة هذا الأمر اليوم؟

صعب جدا، بل مستحيل، وعوضه يمكن أن نشرح للمنتظم الدولي وللبلدان الإفريقية الصادقة الصديقة التي قد تخطئ عن حسن نية في قراءة هذا الملف أن البلد يدافع فقط عن بقائه من خلال دفاعه عن الصحراء، وأنه لا يستطيع إرضاء لبعض الرغبات الموغلة في الحمق أن يقتطع الجزء الأساسي منه وأن يبقى مبتور الأطراف لكي يقال عنه إنه “بلد نجيب يحترم حقوق الإنسان ويسمح للانفصاليين أن يمزقوه إربا دون أن يحس بأي ألم”.

المسألة صعبة للغاية، ودونها دماء سالت، وشهداء لهم أسماء وعائلات وأبناء وبنات لم يروهم يوما، وأرامل عاشوا الحياة القاسية منذ بداية العمر من أجل أن يبقى المغرب قادرا على ادعاء الوحدة دونما كذب أو نفاق. دوننا ودون هاته المسألة تاريخ جديد على الراغبين في كتابته أن ينتزعونا من كل مكان ولدنا فيه وأن يقنعونا أن “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” لا يستقيمان إلا بهاته الزحزحة الجغرافية التي اعتقدنا أن الحرب الباردة المنتهية منذ سنوات كانت سببها, قبل أن نكتشف أنها أًصبحت محور وجود الجزائر وسبب ترقي جنرالاتها.

 

الماضي ينادي الحاضر

هاته السنة نحتفل بالمسيرة الخضراء احتفالا من نوع خاص: نحس أن ثمة رابطا يربطنا بالسنة التاريخية التي تسمى 1975، يعيد إحياءها بكل قوة، ترن في أذهاننا شعاراتها ووجوه المشاركين فيها وعبارات الفرح الساذجة والبريئة حينها منهم. ونتذكر أننا أبناء هذا التاريخ الممتد وأن الحفاظ عليه هو شيئ أكثر من الواجب.

لعله فرض عين على كل واحد منا تجاه الدم الذي سال، تجاه الروح التي أزهقت، تجاه الوطن الذي وعدنا بالوفاء من أجل وحدته وعدم المساس بأي شبر منه بعيدا عن الإنشاء.

لعله الفرض الفعلي: أن نقول للتاريخ “توقف فلازلنا قادرين على كتابة بعض صفحات جديدة منك هاته الأيام, فنحن المغاربة لا نمل حين الوطن من كل الدفاع”.