• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 29 أكتوبر 2013 على الساعة 15:34

مدن الملح

مدن الملح لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

لكأن الناس لم تكن تنتظر إلا سماع الكلمة من جلالة الملك لكي تعبر هي الأخرى عن ضيقها مما تعيشه المدن المغربية. هذه الأيام لا تسمع على ألسنة المواطنين المغاربة في كل مدن المملكة إلا العبارة الشهيرة “ماشي غير كازا بوحدها، حتى حنا مدينتنا مكرفسة”، إلى حد طرح السؤال بكل جدية: وهاته الجيوش العرمرم من المنتخبين المحليين ممن يفترض فيهم أنهم يسهرون على حالة هاته المدن؟ لم يصلحون بالتحديد؟

الجواب الذي يتفق عليه المغاربة “من الطرف حتى للطرف” هو أن هؤلاء المنتخبين _في أغلبيتهم الساحقة لئلا نعمم ونظلم بعض الأبرياء_ يصلحون للتحول من فقراء عاديين لحظة ولوج المجالس المنتخبة إلى أعيان وأغنياء لايمكن أن يغتنوا إلا إذا كانت هناك “إن” كبيرة في الموضوع. ومع ذلك ولنقص في الدلائل _فأذكياء الأزمة لا يتركون وراءهم أثرا_ سنزيل عن أذهاننا فكرة السرقة الجماعية والنهب المنظم في كل مكان الذي يتورط فيه هؤلاء، وسنعيد طرح السؤال مع المغاربة بنفس الطريقة “لم يصلح كل هؤلاء المسؤولون عن المدن وكل هؤلاء المنتخبون، وبقية الأشخاص والجهات الذين يفترض أنهم يوجدون في مناصبهم من أجل تفادي الوصول إلى سؤال مثل هذا؟”

لنبدأ بالنظافة. عندما تعبر الشاحنة في مدينة كبرى وعصرية ومفروض أنها واجهة من واجهات المغرب في منتصف النهار ووراءها عصير أزبال الحاضرة كلها، كيف يمكن أن نسمي الأمر؟ عندما تنعدم أماكن إلقاء الناس بقمامتها وتجد الجميع مضطرا للتعايش مع شعارات بدائية مكتوبة في الجدران أمام أطنان الأزبال وهي تقول مبتسمة “ممنوع رمي الأزبال”، كيف يمكن أن نطلب من المواطن أن يتحلى بالروح المدنية وأن يمتنع عن إلقاء هاته الأزبال في نفس المكان؟

طبعا لدينا نقص حقيقي في التربية المواطنة، وليس منا من لم يقم بالأمر ولم يلق قاذوراته يوما في الشارع لأنه يعتقد أن الأمر عادي وطبيعي ولا يشكل أي مشكل، لكن غياب هاته التربية المواطنة لا يفسر حالة أغلب المدن المغربية خصوصا في أزقتها الخلفية تلك التي لا تصلها “الكاميرا الشاعلة” والتي لا تصلها النظافة والصباغة وبقية الترقيعات إلا حين الزيارات الرسمية مما يشتكي منه الناس باستمرار دون أن يعيرهم أحد انتباها.

لنمر إلى النقل: مدن مغربية كبرى لازالت تجد من العادي أن يلجأ سكانها إلى “الكاروات” والبغال والحمير وبقية الدواب من أجل ضمان الوصول إلى وجهاتهم في الوقت، ومدن أخرى أصبحت تعتبر “التريبورتورات” حلها الوحيد بعد أن غلب التحكم في النقل المسؤولين وبعد أن انتقلنا من التدبير المفوض إلى التدبير الفوضوي، واقتنعنا بأن الأفضل هو ترك المسائل على حالها ودفع الناس إلى الاعتماد على نفسها من أجل التجول في مدنها أو من أجل التحول إلى مقرات عملها أو من أجل الذهاب إلى أي مكان تريده.

النتيجة هي هاته الفوضى العارمة التي تعيشها شوارعنا, والتي تدل على عطب حقيقي فينا نتعايش معه ونعتبره عاديا، ولا نكتشف فداحته إلا حين تلقي بنا الصدفة يوما في بلد آخر من بلدان الحضارة، ونكتشف أن “الكلاكسون” هو أداة نافلة في سيارات الناس لا يستعمل إطلاقا أو يتم اللجوء إليه في الحالات المستعصية فعلا عكسنا نحن الذين نعتبره موسيقى مهدئة للأعصاب ونأمر بعضنا البعض باستعماله اليوم بأكمله وإلا شعرنا بنقص فظيع لا تفسير له.

لنعرج على المراحض العمومية، وهي ليست أمرا تافها أو غير ذي قيمة، بل هي الطريقة التي تمنع بها الدول المتحضرة أناسها من التصرف الحيواني القائم على قضاء الحاجة في الشارع وعلى الأشجار وبين الأزقة الخلفية مثلما نرى بشكل عادي في مدننا وقرانا دون أن نحس أن الموضوع مقرف وأنه دليل تخلف لا أقل ولا أكثر. لنتذكر شكل قنوات الصرف الصحي لدينا، لنحاول تذكر أعمدة الكهرباء، وشكل الإنارة ليلا في الأحياء الشعبية والهامشية، تلك التي يلزمها النور حقا من أجل منع كثير الأمور.

لنتأمل المشهد العام كله، ولنقل إن المغرب كله أصبح بحاجة لصرخات تهم كل مدنه، ومعها أصبح محتاجا لإجابة واضحة عن السؤال المحرج الجارح: لم يصلح مسؤولو المدن إذا كانوا عاجزين عن تسييرها بشكل لائق بالفعل يحترم آدمية من يسكنونها؟