• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 على الساعة 15:11

عن الدارجة “عاوتاني”

عن الدارجة “عاوتاني” لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

الدارجة أو المغربية يدافع عنها فقط من لا يتقنون العربيية الفصحى كتابة أو تحدثا، ومن لا يعرفون اللغات الأجنبية الأخرى. هي ذي الذريعة الجديدة التي يشهرها في الوجه منا المنافحون المدافعون عن لغة الضاد ضد أناس لا يريدون أي سوء بهاته اللغة، بل يريدون فقط الخير للغتهم الأم، تلك التي انتبهت كل الحواس منهم وهي تحيط بهم من كل جانب.

وحين أقرأ لبعض من يدعون الدفاع عن العربية الفصحى أبكيها، وأقول إنها “تستحق أفضل، وبالتأكيد تستحق نوعا آخر من الذائذين عن حماها”، فهي لغة التعبير السهل الممتنع، وهي لغة الكثير من المعقدات، وهي اللغة التي يلزمها أن تموت شرها في قراءتها من أجل أن تتقن التلاعب بالمفردات منها بين الفينة والأخرى، خصوصا حين لا تتصنع ذلك، بل يأتيك مدرارا وفق المأثور من قول كبير العربية الحقيقي أبي الطيب المتنبي وهو يصرخها بكل غرور “أنام ملء جفوني عن شواردها…” إلى آخر البيت الذي يحفظه عشاق العربية فعلا.

ومع ذلك لا مصادرة لحق أي كان في الكلام وحتى في الكتابة وإن كان لا يتقنها. المواقع الإلكترونية على الأقل حققت هذا المكتسب وجعلته مشاعا بين الناس: لا يهم أن تعرف التصرف في اللغة التي تستعملها من أجل الوصول إلى العموم، المهم أن تقدم، أن تتجرأ، أن ترتدي لباس الوقاحة، وأن تقرأ البسملة وأن ترتمي في البحار، كل البحار.

لذلك أصبح الكل يكتب في المغرب، ولم يعد أحد يقرأ.

العابرات في المكان الأول يكتبن الخواطر. الخارجون من قوقعة الأمية بعد عناء طويل يكتبون المعلقات. الهاربون من المدارس في السن المبكرة ينشرون الكتب، والفارات “التالفات” من أماكن لا داعي لذكرها أصبحن فجأن يقمن الروابط والجمعيات، ومرة أخرى لا أستطيع الاعتراض ولا أعرفه، بل أتقبل كل شيء.

فقط لا بد من بعض التدقيق حينا فآخر حين تتلو جملة من هذا القبيل عن “الأميين الذين يدافعون عن الدارجة”. شيء ما في العمق يرفض الصمت ويأبى السكوت، ويقول إن البادئ بالسب والشتيمة أحق بالرد عليه. ولو عاش معنا الفرزدق وجرير الكبيران لتمكنا من النسج على منواليهما في الهجاء رفيع المستوى، لكننا في زمن سهل للغاية. “النيفو متوسط وشي مرات طايح أكثر من اللازم”، ولا حاجة لا ستدعاء كل هؤلاء الكبار.

يكفي المجال، ونحن نخوض المعركة المقدسة من أجل إثبات البديهيات، أن نستدعي له كبار فن القول المغربي. أن نترك الملحون وقوافيه العطرة الملأى علما ودينا وصلاة على النبي وأيضا فسقا وفجورا وكلمات عارية، ولنتحدث عن كبار القول المحدثين أو الجدد أو المعاصرين.

 

تذكروا معنا إسمين فقط: أحمد الطيب العلج وأحمد المسيح.

لو يستطيع المدافعون عن عربية الجزيرة العربية فقط الكتابة مثل الكبيرين. لكن المسألة هنا لا تستقيم مع لو. الموهبة فعل كائن في الإنسان منذ الولادة وحتى الفناء. أنت تتوفر على الشيء أو لا تتوفر عليه. يقولونها أيضا في الدارجة “اللي عندو عندو” ويكتفون.

لذلك ستكون المعركة صعبة بعض الشيء بين من لا يمتلكون موهبة غير فن الانتقاص من الناس والعجز عن مجاراة الفكرة والنقاش، وبين من يعتقدون أنه من العيب أن نعيش بأذهان مغلقة، وأن نقفل آذاننا وأعيننا وبقية الحواس كل مرة عنت فيها في الهواء الطلق فكرة جديدة.

ذلك يسمى التحنيط، إخوتي، وقد مارسه الفراعنة العظام منذ القديم وصنعوا به أساطيرهم الكبرى المؤسسة لأهل النيل الكبار، لكننا لسنا فراعنة، ولا هوية لنا اليوم إلا ما نقوله ونتكلمه ونكتبه من اختلاف.

عذرا على الإزعاج بالاكتشاف البديهي لكننا إلى الآن لم نتفق إلا على شيء واحد: نحن مختلفون وفي هذا الاختلاف كل قوانا، والموحد لنا هو هذا المغرب القادر على احتضان هذا الاختلاف.

البقية نناقشها، ونشبعها كلاما وحديثا، ونرفض كلما هلت علينا مقشة السب والتخوين والشتم، أن نتراجع. غير ممكن على الإطلاق، بل وغير مستحب. لابد من بعض الحياة على هذا الكوكب المغربي, ووحده النقاش الحر المتفتح يستطيع منحنا جرعة الأوكسيجين الخانقة هاته، والقادرة على ربطنا بمن يعيشون قبلنا كل الأمور وكل الأشياء.

هل فتحنا موضوع الدارجة أو العامية أو المغربية إلى حدود الآن؟

لمنفتحه بعد. نحن نتلمس الخطوات الأولى فيه، ونكتشف الكنز الثمين الكامن فيه، ونتهيب الغوص والإقدام عليه لأننا نعرف أن الأمر ليس سهلا على الإطلاق، لكنه القدر، مهما قال لنا محترفو السباب والداعون إلى إلحاقنا بتوت عنخ أمون في التحنيظ لا في العظمة.

أيها اللسان المغربي القادر على إثارة كل هذا اللغط حين خروجك من مخبئك: لك الدوام، ولهلا يحرق فيك واخا كيقولو اللسان ما فيه عظم.