• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الخميس 14 يوليو 2016 على الساعة 11:55

الزبل اللي يجيك منو الريح…!

الزبل اللي يجيك منو الريح…! رضوان الرمضاني facebook.com/ridouane.erramdani
رضوان الرمضاني facebook.com/ridouane.erramdani
رضوان الرمضاني facebook.com/ridouane.erramdani

ملف النفايات الإيطالية بدأ جمرة صغيرة لكنه تحول إلى كرة لهب. كرة اللهب هذه تكبر وتكبر وتكبر. أصبحت حارقة لا محالة. تصيب بندب هنا وندب هناك. وكلما تأخر رجال الإطفاء في التدخل، أو تدخلوا بطريقة غير مناسبة، في الوقت غير المناسب، كانت الخسائر أكبر والحروق أعقد.
من يكون رجال الإطفاء في هذه الحالة؟ وما تكون آلياتهم في هذه الواقعة؟ لا أحد يعرف. كيف ستكون الخسائر لا قدر الله؟ لا أحد يستطيع التكهن أو التقدير.
اليقين هو أن الخسائر ستقع إن استمر رجال الإطفاء يتذاكرون فيما بينهم مستفسرين بعضهم البعض عما إذا كان الأمر حقيقة لهبا ونارا أم مجرد شهب اصطناعية للاحتفال. الطامة الأكبر هي أن ينشغل من يفترض أن يكونوا رجال إطفاء في توزيع مسؤوليات اندلاع الحريق على فلان وعلان عوض الانشغال بإخراج خرطوم المياه والبحث عن أقرب مزود بالماء.
ملف النفايات الإيطالية بدأ بيئيا، فصار سياسيا. ونتانة رائحة السياسة، في بعض الحالات، أشد من نتانة رائحة النفايات.
لكن في مثل هذه الحالات سيكون من العبث محاولة “الفرز”. أين تبدأ البيئة وأين تنتهي، وأين تبدأ السياسة وأين تنتهي. إنها البيئة السياسية! امتزجت البيئة بالسياسة بالأنفة بالكرامة بالعاطفة بالعلم بالانطباع بالمزاج بالمال بالقانون، فكانت النتيجة ورطة، مبتدأها معروف ومنتهاها لا أحد يعرف مداه. وهنا مكمن الخطورة.
كان الأجدر أن تكون حكيمة الحيطي، الوزيرة المكلفة بالبيئة، اسما على مسمى، فتتعامل بحكمة مع الملف مذ ظهرت بوادره الأولى. كان عليها أن تخرج إلى الرأي العام بالوثائق التي تفيد سلامة الملف، بيئيا وسياسيا وقانونيا وماليا. لو فعلت ذلك ربما ما تطورت الأمور إلى ما صارت عليه اليوم.
في غيابها، كان الأجدر بعبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، أن يقوم مقامها. صمت هذا الوزير أعطى الانطباع بأن تحت الأكمة ما تحتها، وتحت النفايات ما تحتها. هو في هذه الحالة “مذنب” سياسيا وأخلاقيا. صمته يعني أمرين، إما أنه يعي أن الملف “خانز”، وبالتالي فهو ساكت عن الحق شريك متورط في فضيحة، وإما أنه عمل بمبدأ “عومي بحرك” تفاديا “لكل ما من شأنه”، في شكل من أشكال “الشماتة” في وزيرة كان معها في نزاع حول الاختصاصات.
حين غابت الحيطي، والتزم اعمارة الصمت، كان على رئيس الحكومة أن يخرج إلى الرأي العام. وإذا تعذر عليه أن يتكلم، وهذه ليست عادته، كان على الحكومة، الطويلة العريضة الكبيرة، أن تشرح بشكل ما، لكن ليس بإشارة عابرة في المجلس الحكومي، على لسان وزير الداخلية، لأن هذا الأمر عقد الملف أكثر مما طمأن الرأي العام، وأعطى الانطباع بأن “القضية فيها إن”.
البرلمان، بغرفتيه، مثل الأطرش في الزفة، أو في الضجة بالأحرى. الرأي العام يغلي والسادة ممثلو الأمة مشغولون بأشياء أخرى. وحتى حين جاءت إليهم الوزيرة المعنية، بعد وقت طويل، استعرضوا أمامها أسئلة إنشائية، وانتهى الأمر.
هذه عادة البرلمان في السنوات الأخيرة، يحاول إعطاء الانطباع بأنه يتفاعل مع الرأي العام في ما يشغله، لكنه، في الواقع، لا يفعل غير تشويه النقاش، والنماذج كثيرة.
الواقع الجديد هو أن المؤسسة الرقابية الحقيقية في المغرب هي الفايس بوك.
ليس هذا أول ملف يقابل بسوء تقدير في بداياته. سوء التقدير عادة مغربية صرفة. وشعار الكثير من مسؤولينا “كم حاجة قضيناها بتركها”. وآخرون يرفعون شعار “تبعد على راسي وتجي”. أنانية ولا مسؤولية.
في حالة ملف النفايات الإيطالية كان الأسلم أن يكون التحرك بسرعة. لم يحدث هذا. البكا وراء الميت خسارة.
أي محاولة للشرح والتفسير والإقناع لن تجدي الآن، والملف صار نفسيا أكثر من أي شيء آخر. فات الفوت.
للمغاربة حساسية مفرطة تجاه كل ما يتعلق بالكرامة. وكلمة النفايات وحدها، حتى لو كانت الشحنة شحنة عطر مستنغى عنه، تكفي للشعور بالإهانة، لذلك لا داعي لتضييع الجهد في محاولة إقناع الرأي العام بأن الأمر يتعلق بتوجه عالمي لإنتاج طاقة بديلة. هذا كلام سيذهب أدراج الرياح، لأنه جاء بعد وقته. هذا طبعا دون الدخول في متاهة “نفايات خطيرة”/ “نفايات غير خطيرة”. بالنسبة إلى الذهنية المغربية الزبل كيبقى زبل!!
عوض إضاعة مزيد من الوقت في اللاجدوى، لا يبدو من حل سوى استئصال أصل المشكل: أعيدوا إلى الطاليان نفاياتهم، واستغلوا الفرصة لفتح نقاش حول الحقوق البيئية، ونحن مقبلون على حدث هام هو “كوب 22″، فإن وصل موعد الحدث العالمي كنا علمنا الرأي العام الدولي أننا قادرون على تنظيم المناسبات الكبرى، ليس فقط لوجيستيكيا، وإنما “ثقافيا” أيضا. سنعلمهم أننا شعب نستحق هذا الحدث.
نحتاج قليلا من التعقل والحكمة. إن فعلنا هذا، وأعدنا إلى الإيطاليين نفاياتهم، قد نخسر قليلا من المال، لكننا سنربح أشياء كثيرة لا تقاس قيمتها بالمال.
لا حاجة لنا إلى نفايات نحرقها ونحرق معها أعصابنا. يكفينا الشارع الذي يغلي، فلا داعي لمزيد من الزيت.
ردوا النفايات إلى أهلها، وتعلموا الدرس: المغرب تغير…

‫#‏مجرد_تدوينة‬