• زعيم “إرهابي” حليف لكابرانات الجزائر.. الجنائية الدولية تلاحق إياد أغ غالي
  • على “نيتفليكس”.. فيلم “مروكية حارة” لهشام العسري في الصدارة
  • لطيفة رأفت: تعرضت لضغوطات نفسية وأي واحد تجرأ أنه يمسني غادي نلجأ للقضاء
  • بعد دعوات لمقاطعة حفله في موازين.. الفنان التونسي “بلطي” ينفي دعمه للبوليساريو
  • لتحليل العلاقات بين المغرب وإسبانيا والبرتغال.. منتدى حقوق الإنسان لمهرجان كناوة وموسيقى العالم ينظم لقاءً بالصويرة
عاجل
الخميس 15 أغسطس 2013 على الساعة 11:07

صمتا من أجل مصر

صمتا من أجل مصر لمختار لغزيوي [email protected]
لمختار لغزيوي larhzioui@gmail.com
لمختار لغزيوي [email protected]

أما وقد وقع ماوقع فلم يعد ينفع اليوم إلا الصحيح من الكلام. لا الدموع الزائفة تجدي, ولا الأصوات المتحشرجة في المظاهرات التي لا نفع لها, ولا بيانات رفع العتب المكتوبة من قلب المصطافات. ماحدث في مصر يوم الأربعاء أمر جلل فعلا, وهو تاريخ مشترك بين الإنسانية كلها التي تفرجت في لحظة من لحظات القرن الواحد والعشرين على الدم وقد أصبح وسيلة لتصريف الخلاف السياسي بشكل همجي حقا.

من المسؤول؟

الكل مسؤول. العسكري الذي ترك ثكنته من أجل حراسة سياسة هو ليس مهيئا لها مسؤول. الإخواني الذي وضع الأبرياء متاريس أمامه من أجل حماية حلم دولة المرشد مسؤول. الثوري الذي يكتفي بالشعارات الطنانة الرنانة في الأنترنيت مسؤول. الشعب العادي, الطبيعي, البسيط في مصر وفي غير مصر مسؤول. الدول المحيطة والقريبة والبعيدة مسؤولة. الإنسانية كلها مسؤولة عما جرى في مصر يوم الأربعاء, لكن قبلها وبعدها يظل المصري المسؤول رقم واحد عما وقع ويقع وسيقع في بلده.

هل تكفي الإدانة؟ لا, وهي أصلا من الصعب والمستحيل أن توجه لجهة دون الأخرى. العسكر ليسوا أبرياء, بل أيديهم جد متورطة في الدم الذي سال يومها, لكن الإخوان أيضا مجرمون بنفس الدرجة, وهم كانوا يعرفون منذ اختاروا هذا الحل الانتحاري أنه لن ينتهي على خير, وأن الدم سيسيل للركب مثلما يقول المصريون في دارجهم.

ركب الكل رأسه, ورأى العالم مصر تسير نحو حتفها, ولم يكترث أحد. كنت تسمع العبارة قاتلة في حياديتها “سيفكون الاعتصام بشكل دموي, هذا ماتقوله كل التوقعات”. ورغم ذلك لم تكلف جهة من الجهات نفسها عناء فعل شيء ما لتفادي الوصول إلى هاته النتيجة المتوقعة منذ البدء.

ركب الجيش رأسه, وركبت الطبقة السياسية رأسها وركب الإخوانيون رؤوسهم, فهل بقي لتلك الصور الدموية التي صدمت العالم كله يوم الأربعاء أي معنى؟ هل كان لها حس أو صدى حقيقي بغض النظر عن التعبيرات العاطفية هنا وهناك؟

الحقيقة ألا وقع كان لها, وحتى القنوات التي كانت تمثل دور التعاطف مع المصريين مثل “الجزيرة” القطرية, كانت تفعل ذلك من أجل مزيد من الدماء ومزيد من المتابعة, ومزيد من الانتشار.

علمتنا الدروس القديمة منذ بدئها أن دماء هؤلاء القوم الطيبين الذين يسمون المصريين هي دماء رخيصة للغاية, وأهلها لا يكترثون بها ولا يعطونها أي قيمة. لذلك مات المصريون باستمرار. ماتوا في حوادث العبارات. ماتوا في حوادث القطارات بالمئات. ماتوا في الحرائق الإرادية واللاإرادية. ماتوا في المظاهرات منذ بدأت عندهم الدولة وإلى أن انتهت. أحرقوا عاصمتهم القاهرة غير مامرة, وعرف لها التاريخ اشتعالات كبرى سميت السنوات التي وقعت فيها بمسمياتها. وانتهوا في الختام باختراع جماعة لن تجلب لهم على امتداد كل أيامها وسنواتها وتعداد بقائها على قيد الحياة إلا الموت تلو الموت, لأنها تتاجر به, وتصنع به أسس امتدادها بين الناس.

في المغرب حزنا لحزن مصر دوما, وفرحنا لفرحها, ورأيناها بلدا لايأتينا منه إلا كل جميل قبل أن تصبح وجوه خيرت الشاطر ومرسي والبلتاجي وحجازي ومنصور وسلطان وبقية الكالحيين من تجار الدين والسياسة هي القادمة من هناك. فهمنا أن أرض الكنانة التي أحببناها لم تعد. أرض حليم وكلثوم ومحفوظ وجاهين وعبد الوهاب ودرويش وبقية السلسال المجيد من العباقرة المبدعين بارت. وعوضها يخرج اليوم من رماد الحرائق وجه كثيف بغلاف كبير على الذهن, وبرغبة في إدخال المصريين مجددا إلى الإسلام. مقابله يقف بعبع يحمل علم الجمهورية وسلاحها ويقول إنه يدافع عنها, والمثير للسخرية وللحزن أيضا أنهما معا يقتلان المصري البسيط ثم يجلسان في مكان بعيد لكي يتفاوضا تحت رعاية الأجنبي.

هل نستطيع يوما بعد الآن أن نكتب عن مصر بفرح؟ أتذكر ليلة أمضاها أنصار مبارك ضد معارضيه يقتلون بعضهم البعض بالحجارة قبل أن يتنحى الرئيس الأسبق. الكل قالها يوما: بين المصريين شرخ تاريخي لن يندمل بعد اليوم. أما الآن وقد فعل الرصاص فعله في القلوب, وبعد أن امتد أثره إلى كل مكان, فلن يعود شيء إلى سابق عهده, ولن تجد الضحكة الصافية للمصري “أبو دم خفيف” منفذا لكي تمر إلى أي مكان.

النيل أحمر دما, وعلى كوبرياته كلها علامات اتشاح بسواد غريب. الأهرام باكية, وأبو الهول يناجي الفرنسيين أن “تعالوا أسرقوا تمثالي مثلما فعلتم بالمسلة فلا قبل لي بالبقاء في هاته الصحراء”, أما بقية المعالم فتندب أهلها وناسها والبلد, وتقول “رحم الله هذا القطر الكبير”.

من أجل مصر حداد وصمت كبير. فالسكوت وحده يليق بما يقع الآن في تلك الأرجاء. أما أي كلام فمجرد فقاعات كاذبة.