• مصر.. حاتم عمور في ضيافة السفير المغربي
  • الإعدام لـ”ولد الفشوش” قاتل الشاب بدر.. آش قالو المغاربة؟
  • بعد مرور سنوات على استقرارها في كندا.. سناء عكرود تعود للعيش في المغرب
  • “جازابلانكا”.. الفرقة البريطانية الشهيرة “UB40” تحتفل بعيد ميلادها ال45 رفقة جمهور البيضاء
  • إجراءات جديدة.. وزارة الثقافة تحصن التراث المغربي ضد السطو
عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 على الساعة 19:33

إسماعيل شفقي يكتب: ليس الرمضاني.. بل دفاعا عن حقيقة!

إسماعيل شفقي يكتب: ليس الرمضاني.. بل دفاعا عن حقيقة!

منفردا بعزمه، مؤيدا برأيه، دخل الرجل ساحة ملغومة بالشعبوية، مسيجة بعواطف وعواصف الجمهور، يدرك الرمضاني جيدا، أنه المقبل على مواجهة مديرها؛ الخصم والحكم، صاحب الأرض والجمهور، والجمهور فيها يطلب أكثر من الفرجة.. يطلب الرأس! بمحاكمة جماهيرية انتفت فيها شروط العدالة، بل حدودها الدنيا. صك الاتهام فيها جاهز، والأكثر جاهزية منه حد المقصلة الرمزية. يدرك جيدا هكذا محاكمات، فقد تمرس الرجل “في قفص الاتهام”.
فأرادوها استنطاقا بوليسيا، ينتفي فيه حق الكلام. أغفل مدير الجلسة _مدبرها_ بالأحرى، أن الرمضاني رجل كلام “بدون لغة خشب”.
جلسة تظافر فيها تحامل الخصم والحكم، وصعوبة المناخ الشعبوي، وجور الجمهور.. تعلمنا قوانين الطبيعة أن الأسد منفرد في الرعين، والضباع قطيع، وهو ما أغفله جيل الضباع.. وكبيرهم.
لقد صنعو للرجل من حيث لا يدرون، مشهد بطولة؛ انتصب فيها الرمضاني صوتا فردا للعقل في مجابهة ملحمية مع سيكولوجية هشة لجماهير هشة.
إن انتصار الرمضاني للمقاربة والمعنى الأخلاقي، مقابل تشبث بئيس ب”معيارية جافة” و”شكلية صماء” مؤشر دال ومنطلق فهم عميق، لفروق وجودية بين دائرتين، تقعان على النقيض؛
من يرى في الصحافة، فعلا هجينا، ينتهي إلى فعل مستهجن بالضرورة، يراها عمل _بالمعنى الحصري والضيق_ “لمصدر الرزق”، يؤول ببعض التهجين النضالي/التكتوكي/ اليوتوبي وهواجس التجارة، إلى مدخل استرزاق؛ منفلت لا عن القواعد فقط، بل عن الأخلاق.
لعبة إعتاد محترفوها، الركوب على الامواج.. والركوب على الشعوب.
وبين مدرسة، ترى الصحافة مهنة، وأنبل من مجرد المهنة، وهي بذلك فوق التقني تطلب الفنية، تنشد فوق التكوين الحرفة والدربة، الحياد فيها لا ينفي الرسالة، موضوعيتها لا تنفي الايمان، فوق الشكل تسبر أغوار المعنى، وفوق هذا وذاك تنشد تلك المستعصية على الاكتساب والمسطرة والبطاقة… الموهبة والملكة والطاقة!
إنه تمثل يرقى بالصحافة إلى مدارج الفاعلية وفوقها إلى مراتب “السلطة الرابعة”… إلى صاحبة الجلالة.
فروق جوهرية بين من يرى الصحافة فاعلا للتغيير وفيه، ومدخلا للتعبئة والتنشئة، وبين من يريدها أداة تجييش وحشد لحاجة في نفس يعقوب.
من يراها لعبة “جوج وجوه” أجل تلك الدراما على القناة الثانية، حيث التسول باسم الفقر، وهي في سياقنا التسول السياسي باسم الصحافة. وبين شجاعة الوجه المكشوف، والأهم منه الواجه الواحد بملامح خطاب منسجمة، أنيقة… وواضحة.
بين فعل صحفي خالص، يستجمع أطراف المغرب كاملا، من أبسط مستوياته حيث أنابيب صرف المياه، حتى اعتى مستوياته تعقيدا؛ حيث دواليب تصريف الأمور، تمرس إعلامي على كل اللغات والايقاعات، في سمفونية إعلامية منسجمة، غير إقصائية، ودون عقد نقص. وبين الإقتيات على انتقائية مقيتة، لأصوات موقوتة، تؤول بالمنبر إلى منتدى للمعارضة السياسية، لا تخفى أهدافها..
خيط رفيع بين مناقشة السياسة بالمنبر الاعلامي، وحتى تبني الاعلامي للموقف السياسي، وبين المعارضة السياسية المؤدلجة ذات يسار بالظلال وذات يمين بالظلام، باسم الصحافة.
على ذاك المباشر الرمضاني، كان الصراع مشتد الوطيس، بين ثقافة التأسيس وشطحات التكبيس..
تغافل “جيل الضباع” أن ليس من الشجاعة في شيء مسايرة الجمهور في خطابات الرفض والكراهية، ونبرة الاحتجاج.. بل تظل لعبة “الركوب على الجمهور” المأثورة لدى أصحاب المواقف المترددة، والأيادي المرتعدة، يصير الجمهور مركبة هروب إلى الأمام، دروع بشرية، “أخوتي المغاربة!” استنجاد “مبرهش”، بتعبير صبياني، والأكثر صبيانية منه جوهر الموقف وطبيعة التمثلات..
تقاس قوة الموقف وسلامة الموقع، تقاس الشجاعة الإعلامية المهنية، بانتصاب صوت الفرد في مقابل الكتلة، صوت الحداثة المغربية في أكثر الموضوعات والسياقات محافظة، صوت العقل في مقابل العاطفة الجماعية والانفعال الجماهيري.
رضوان الرمضاني، أنݣلوسكسوني المدرسة، جوهري الهوى، بكل احالات تغليب المعنى على الشكل، المضمون على المنهج، الاستراتيجي على التكتيكي.. ردا على ادعاء البطاقة المهنية، كان جوابه مساءلة “الطاقة المهنية” و”الأخلاق المهنية” والبروفيل المهني الخالص” غير المسيس، غير المؤدلج، غير المهجن. وحتى حين الجلد ومحاولة الاغتيال الرمزي على المباشر باسم البطاقة، تشبث الرمضاني بالمعنى/بالجوهر، وعند أمس الحاجة للدفاع الشرعي عن النفس، دافع الرجل عن الحداثة، عن الأخلاقيات المهنية، عن الأستاذ أحمد عصيد، انتصب ضد التكفير وضد التخوين !
انتصب الرجل.. وانتصر !

اسماعيل شفقي
باحث في الشؤون السياسية والدستورية