25 عاما من الرؤية والإرادة الملكية في وضع المغرب على المسار الديمقراطي الذي يحفظ لمواطنيه كرامتهم ويحصن حقوقهم في جميع المجالات، ربع قرن من عهد جلالة الملك محمد السادس برهنت خلالها المملكة على مدى تفرد تجربتها الديمقراطية والحقوقية في التصالح مع الماضي واستشراف حاضر ومستقبل أفضل.
وفي تصريح لموقع “كيفاش”، بمناسبة الذكرى الـ25 لعيد العرش المجيد، يستحضر المحامي والحقوقي نوفل البعمري، أوجه الريادة الحقوقية والحرص الملكي على تحصين حقوق المغاربة خلال 25 عاما من التدبير الملكي الرصين.
وقال البعمري، إن “25 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس اتسمت بعدة تطورات في مختلف المجالات ذات البعد الاستراتيجي الذي جعل من المغرب يحتل المكانة التي أصبح عليها اليوم، أممياً، قارياً و عربياً، حيث يظل الملف الحقوقي من الملفات التي حظيت بالأولوية في هذا العهد خاصة في بداياته الأولى بحيث شكلت جزءا من ملامح حكم جلالته تُجسد طبيعة التغيير الذي قاده ويقوده باعتباره ملكا ورئيساً للدولة”
المصالحة.. بداية العهد الجديد
وأبرز الحقوقي، أنه “مع انطلاق العهد الجديد فتح المغرب ورش تصفية تركة الماضي، بحيث كان واحداً من الملفات الصعبة التي اجتازها بنجاح في ما عُرف بالعدالة الانتقالية حتى باتت التجربة المغربية من بين أكثر خمس تجارب رائدة في العالم وكان تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة بوابة هذا التغيير الحقوقي وهي الهيئة التي حظيت برعايته، و دعمه مما دفعها لفتح جل ملفات انتهاكات الماضي”.
وأوضح البعمري، أن “عمل هذه الهيئة توج بتقرير تم رفعه لجلالة لملك، وانتهى بفتح القصر الملكي أمام الضحايا الذين عانقوه في صور تعتبر تعبيرا حقيقيا و إنسانيا عن المصالحة وطي صفحة الماضي، لذلك كان ملف معالجة انتهاكات الماضي البوابة التي قاد من خلالها الملك فترة حكمه وكانت إيذاناً بتغيير حقوقي قادم سيشكل ثورة حقيقية قادها الملك بشكل شخصي وشكلت المصالحة عنوان بداية العهد الجديد”.
1999.. مفهوم السلطة
ويرى نوفل البعمري، أن “جزءا من التعثرات التي عاشها المغرب قبل حُكم جلالة الملك محمد السادس كانت مرتبطة بالسلطة، وبالكيفية التي تدير بها عملها وعلاقتها بالمواطنين، حتى باتت رمزاً من رموز انتهاكات الماضي وواحدة من علامته السيئة، لذلك كان جلالة الملك حريصا في خطابه الشهير لسنة 1999 على التطرق لهذه النقطة من أجل التأكيد على التوجه الجديد الذي دخله المغرب حقوقياً”.
وأبرز البعمري، أن “الحديث في هذا الخطاب كان عن ” المفهوم الجديد للسلطة” حتى بات عنواناً له، بحيث كان هناك ربط واضح بين الممارسة الجديدة للسلطة كما يريدها جلالة الملك وهذا المفهوم الذي طرحه، من خلال توجهه للإدارة الترابية بالقول “مسؤولية السلطة في مختلف مجالاتها هي أن تقوم على حفظ الحريات وصيانة الحقوق وأداء الواجبات وإتاحة الظروف اللازمة لذلك على النحو الذي تقتضيه دولة الحق والقانون في ضوء الاختيارات التي نسير على هديها من ملكية دستورية وتعددية حزبية وليبرالية اقتصادية وواجبات اجتماعية بما كرسه الدستور وبلورته الممارسة” هذه الفقرة من الخطاب التي تعتبر عموده الفقري تضع ممارسة الإدارة الترابية في عهد جلالة الملك مقترنة باحترام الحقوق والحريات ومُقيدة بالقانون والدستور، و هو بذلك يكون قد دشن مرحلة ثانية من مراحل الإصلاح الحقوقي بالمغرب، ليظل خطاب “المفهوم الجديد للسلطة” عنواناً لمرحلته و للعهد الجديد، وورقة رفعتها الحركة الحقوقية في مطالبها بالتغيير”.
2007.. مبادرة الحكم الذاتي
وأبرز نوفل البعمري، أن “مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها رسمياً المغرب سنة 2007 للأمم المتحدة هي نتاج لهذا المسار الحقوقي، بحيث كانت واحدة من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة خاصة منها الصادرة عن ضحايا الانتهاكات الحقوقية من نشطاء الأقاليم الصحراوية الجنوبية، لتكون هذه المبادرة ليست فقط حلا سياسيا لنزاع الصحراء المفتعل بل هي في جزء آخر عنوان من عناوين المصالحة مع الماضي و جواباً حقوقياً عن فترة الانتهاكات التي شهدتها المنطقة”.
وشدد المحامي والحقوقي، على أن هذه المبادرة أحبطت مناورات خصوم المملكة لمصداقيتها وجديتها في معالجة الملفات الحقوقية بالمنطقة، هو ما دفع الأمم المتحدة للاقتناع بجدية المقاربة التي قدمها المغرب، و هي مقاربة شمولية، سياسية، ديموقراطية ثم أيضاً حقوقية، فكانت جوابا حقوقياً على “أطروحة” الانفصال وعلى دعايته بالمنطقة، لتكون بذلك ورقة من بين الأوراق التي أقنعت المنتظم الدولي بجدية المغرب وبرغبته في حل هذا النزاع بمقاربة عنوانها الحقوق والحريات”.
2011.. الدستور الحقوقي
ومن أبرز المحطات الديمقراطية بالمملكة، أبرز البعمري، أنه “في سياق ما عُرف “بالربيع العربي” و دخول المنطقة لنفق مظلم و متاهات مؤسساتية و سياسية، كان المغرب بفضل حنكة جلالة الملك محمد السادس ليس فقط الاستثناء بل النموذج من حيث نوعية الرد على مطالب الشارع سنة 2011، انطلق مع خطاب 9 مارس الذي حمل نَفَساً إصلاحياً شاملاً، مما فتح الباب أمام الإصلاحات الدستورية و السياسية، بحيث شكَّل الملك بموجب ذلك الخطاب لجنة مراجعة الدستور التي استقبلت المذكرات، و نظمت جلسات استماع، ليصدر دستور فاتح يوليوز بروح خطاب 9 ماي وهو الدستور الذي يعتبر وثيقة للحقوق و الحريات، بحيث حمل ديباجة كلها تؤطر الدستور بمرجعية حقوقية واضحة، و حمل في مختلف أبوابه و بنوده مواد تحمي الحقوق و الحريات”.
ويرى الحقوقي، أن دستور 2011 “كرَّس سمو الاتفاقيات الدولية، و دسترَ تجريم التعذيب، والمحاكمة العادلة وقرينة البراءة، و استقلالية السلطة القضائية وحرية المعتقد والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وغيرها من المواد التي تجد سندها في الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان، فانخرط بموجب ذلك المغرب في عملية التصديق على مختلف المعاهدات والاتفاقيات الدولية ورفع التحفظات عن عدد منها في إشارة لانخراطه في السياق الدولي الحقوقي خاصة الأممي منه ليُتوج ذلك برئاسة المغرب لمجلس حقوق الإنسان في تجسيد للاعتراف الأممي بالوضع المتقدم للمغرب على مستوى حقوق الإنسان بقيادة عاهل البلاد، واعترافاً للمغرب بطبيعة الإصلاحات الحقوقية الجذرية الشاملة التي قام بها في هذا الصدد، التي كانت بقيادة ورؤية جلالة الملك محمد السادس”.
تعديل مدونة الأسرة
وخامس الأوراش الحقوقية الكبرى التي فتحها جلالة الملك في فترة حكمه والتي تميز بها هذا العهد، يضيف نوفل البعمري، هو ورش مدونة الأسرة والرقي بوضعية المرأة والطفل بشكل خاص والأسرة بشكل عام، لا ننسى على أنه في سنة 2003 قدم دعمه الشخصي والمباشر للإصلاح ما أدى لصدور مدونة الأسرة في تلك السنة.
وأبرز الحقوقي، أنه “بعد أكثر من عشرين سنة ها هو الملك يأخذ على عاتقه مهمة مراجعة مدونة الأسرة لتكون ملائمة للتطور الحقوقي الذي شهده المغرب، مواكبةً كذلك للمكانة الحقوقية التي أصبح عليها على الصعيد الدولي والأممي، إذ أن العديد من موادها باتت تشكل “إحراجاً ” للمغرب خاصة لحظة التفاعل الأممي مع المغرب بحيث تكون موضوع توصيات بضرورة مراجعة العديد منها، فكان أن قرر و بمبادرة منه دفع في اتجاه فتح ورش إصلاح ومراجعة مدونة الأسرة بمقاربة وطنية تستند على الحقوق.
وخلص نوفل البعمري، المحامي والحقوقي، إلى التأكيد على أن “مرور 25 سنة على تقلد جلالة الملك محمد السادس الحكم كان عنوانها الأبرز هو حماية حقوق الإنسان؛ قيادة مشروع الإصلاح بروح الحقوق و الحريات، حيث كانت جل خطبه و تحركاته و توجيهاته تحمل هذه الإشارة وهذا البعد حتى بات المغرب في عهده يسمى بعهد الحقوق والحريات”.