• الديربي البيضاوي.. الرجاء كيوجد للوداد خارج كازا!
  • البلد الإفريقي الوحيد في المعرض.. السعدي يفتتح الجناح المغربي في ملتقى ميلانو
  • تسريب بيانات الضمان الاجتماعي.. هجوم أرعن يسائل حصانة مواقع المؤسسات المغربية
  • انطلاق التسجيل في الموسم الدراسي المقبل.. جدل سن الالتحاق يعود من جديد
  • بدلا من النرويج.. موهبة سيلتا فيغو يفضل حمل قميص المغرب
عاجل
الخميس 30 يناير 2025 على الساعة 15:15

الوردة الدمشقية في مواجهة التغيرات المناخية.. بين التحديات والابتكار

الوردة الدمشقية في مواجهة التغيرات المناخية.. بين التحديات والابتكار

تُعد الوردة الدمشقية من النباتات العطرية ذات الأهمية الاقتصادية والبيئية الكبيرة، خاصة في مناطق مثل قلعة مڭونة، حيث تُزرع منذ قرون وتُستخدم في صناعة العطور ومستحضرات التجميل. إلا أن هذه الزراعة التراثية تواجه اليوم تهديدات متزايدة بسبب التغيرات المناخية، التي تؤثر على إنتاجية النبات وجودة مستخلصاته العطرية. تفرض هذه التحديات ضرورة البحث عن حلول علمية مستدامة تضمن استمرار هذا القطاع الحيوي.

في هذا السياق، تسلط المهندسة الزراعية والباحثة في العلوم الزراعية وفيسيولوجيا النباتات سمية الملاحي (جامعة ابن زهر – أكادير) الضوء على التأثيرات البيئية التي تتعرض لها زراعة الوردة الدمشقية، مشيرة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وندرة المياه يؤثران على دورة الإزهار وتكوين المركبات العطرية الأساسية، مما يقلل من قيمتها الاقتصادية. كما توضح أن الحلول العلمية، مثل التحسين الوراثي، واستخدام الميكروبات النافعة، وتقنيات الري الذكي، يمكن أن تساهم في تعزيز مقاومة النبات للإجهادات البيئية، وضمان استدامة إنتاجه في المستقبل.

بين التراث والتحديات البيئية
الوردة الدمشقية كنزًا زراعيًا وتراثيًا في المغرب، حيث تشتهر مناطق مثل قلعة مڭونة بزراعتها منذ قرون. تلعب هذه الزهرة دورًا اقتصاديًا محوريًا بفضل استخدامها في صناعة الزيوت العطرية ومستحضرات التجميل والطب التقليدي. غير أن التغيرات المناخية أصبحت تهدد هذا القطاع الحيوي، مما يستدعي حلولًا مبتكرة ومستدامة للحفاظ على إنتاجية هذه النبتة العطرية الفريدة.

تأثير التغيرات المناخية على زراعة الوردة الدمشقية
تُعد الوردة الدمشقية من النباتات العطرية التي تزدهر في بيئات ذات ظروف مناخية معتدلة، إلا أن التغيرات المناخية باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لزراعتها واستدامة إنتاجها. ومن أبرز التحديات التي تواجه هذه الزراعة نتيجة التغيرات المناخية، تزايد فترات الجفاف وندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب التغيرات في التربة وخصوبتها.
الجفاف وندرة المياه من أبرز العوامل التي تؤثر على زراعة هذه الوردة، إذ تعتمد هذه النبتة بشكل أساسي على توافر المياه خلال مختلف مراحل نموها. ومع تزايد موجات الجفاف المتكررة وانخفاض معدل التساقطات المطرية، أصبح من الصعب توفير الاحتياجات المائية اللازمة لها، مما ينعكس سلبًا على حجم الأزهار وجودتها، بل وقد يؤدي في بعض الحالات إلى انخفاض المحصول بشكل كبير.
من جهة أخرى، ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بشكل مباشر على دورة الإزهار، حيث يؤدي إلى اضطرابات في توقيت التفتح، مما يؤثر على إنتاجية النبات. كما أن الحرارة المرتفعة تؤثر على تكوين المركبات العطرية الأساسية، مثل الجيرانيول والنيورول، وهي المركبات التي تحدد جودة الزيت العطري المستخرج من الأزهار. أي انخفاض في تركيز هذه المركبات بسبب الإجهاد الحراري سيؤثر سلبًا على القيمة الاقتصادية للمنتج النهائي.
إضافة إلى ذلك، تتسبب التغيرات المناخية في تغيرات على مستوى التربة وخصوبتها. فالإجهاد الحراري والمائي يؤثران على نشاط الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، مثل الفطريات والبكتيريا لنمو النبات. هذه الميكروبات تلعب دورًا أساسيًا في تحسين امتصاص المغذيات والماء، وتعزيز المقاومة للإجهادات البيئية. ومع تراجع نشاطها، يضعف نظام الجذور، مما يقلل من قدرة النبات على امتصاص الماء والعناصر الغذائية، وبالتالي يحد من نموه وإنتاجيته.
في ظل هذه التحديات، أصبح من الضروري البحث عن استراتيجيات زراعية مبتكرة لمساعدة الوردة الدمشقية على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، وضمان استدامة إنتاجها في المستقبل.

الحلول العلمية

لمواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية على زراعة الوردة الدمشقية، أصبح من الضروري تبني حلول علمية وتقنيات مبتكرة تعزز مقاومة النبات للإجهادات البيئية وتحافظ على إنتاجيته وجودته. وتشمل هذه الحلول التحسين الوراثي، استخدام الميكروبات النافعة، وتطبيق ممارسات زراعية مستدامة. يعد التحسين الوراثي إحدى الاستراتيجيات المستدامة لتعزيز قدرة الوردة الدمشقية على تحمل الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة. يمكن تحقيق ذلك عبر تقنيات التهجين التقليدي لانتقاء أصناف ذات قدرة عالية على مقاومة الإجهاد المائي والحراري، أو من خلال التعديل الجيني لاستهداف الجينات المسؤولة عن تحمل الجفاف وتنظيم العمليات الفسيولوجية المرتبطة به. تهدف هذه المقاربات إلى تطوير نباتات ذات كفاءة عالية في استخدام المياه، وزيادة إنتاجية الأزهار مع الحفاظ على التركيب الكيميائي للعناصر العطرية الأساسية.
أظهرت الأبحاث أن الميكروبات المفيدة، مثل الفطريات الجذرية والبكتيريا المحفزة لنمو النبات، تلعب دورًا مهمًا في تعزيز مقاومة النباتات للإجهادات البيئية. يساهم هذا التكامل الميكروبي في تحسين كفاءة امتصاص الماء والمغذيات، بالإضافة إلى تحفيز مجموعة من الآليات الدفاعية داخل النبات، من بينها:
– تنشيط الإنزيمات المضادة للأكسدة، مما يقلل من تراكم الجذور الحرة ويحد من الأضرار الناجمة عن الإجهاد التأكسدي المرتبط بالجفاف.
– تنظيم توازن الهرمونات النباتية، مثل حمض الأبسيسيك، والأوكسينات والسايتوكاينينات التي تحفز النمو وتعزز تجديد الأنسجة النباتية.
– تحفيز تراكم الأسمولات الذائبة مثل البرولين والسكريات القابلة للذوبان، مما يساعد النبات على الحفاظ على توازنه المائي في ظل الظروف المناخية القاسية.
إلى جانب التحسين الوراثي والاستفادة من الميكروبات النافعة، يمكن اعتماد ممارسات زراعية مبتكرة تهدف إلى ترشيد استخدام الموارد الطبيعية وتعزيز استدامة الإنتاج الزراعي، وتشمل:
– تقنيات الري الذكي: يعتمد الري بالتنقيط المدعوم بأجهزة استشعار الرطوبة على توفير الكمية الدقيقة من المياه التي يحتاجها النبات، مما يقلل من هدر المياه ويحسن كفاءة الامتصاص.
– تحسين بنية التربة: يساعد إدخال المواد العضوية مثل السماد العضوي، في تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وتقليل فقدانها بالتبخر.
– استخدام الأغشية الحيوية لحماية سطح التربة من التبخر المفرط، والحفاظ على مستوى مناسب من الرطوبة حول جذور النبات، مما يعزز استقرار النظام البيئي الزراعي.

استدامة إنتاج
لحماية الوردة الدمشقية المغربية من التغيرات المناخية، لا بد من تبني نهج شامل يجمع بين البحث العلمي والتقنيات الحديثة والممارسات الزراعية المستدامة. إن تعزيز التعاون بين الباحثين، المزارعين، وصناع القرار سيساهم في تطوير حلول فعالة تحافظ على هذا التراث النباتي الفريد، وتضمن استمرارية قطاع اقتصادي مهم للمنطقة.
هل سنتمكن من حماية هذه الزهرة العطرية للأجيال القادمة؟ الجواب يكمن في قدرتنا على تسخير العلم والابتكار لمواجهة التحديات المناخية.

السمات ذات صلة