عبد الكبير توري-صحفي متدرب
في تدوينة نشرها المحلل السياسي عمر الشرقاوي، قدم تشخيصًا دقيقًا لحالة الصحافة، متناولًا الأعطاب التي تعاني منها، ومحددًا بعض الشروط التي يرى أنها ضرورية لاستعادة دورها الجوهري في المشهد العام.
يرى الشرقاوي أن هناك خلطًا بين حرية الصحافة وحرية التعبير، حيث يؤكد أن الصحافة مهنة لها ضوابطها القانونية، بينما حرية التعبير حق عام له حدوده. هذا التمييز يترتب عليه حقوق وواجبات مختلفة، وهو ما يغيب في بعض الممارسات الصحفية الحالية.
كما يشدد على ضرورة الفصل بين العمل الصحفي والنشاط السياسي والحقوقي، معتبرًا أن الصحافة ليست وسيلة للدعاية الحزبية، بل يفترض أن تظل منبرًا محايدًا يعكس مختلف الآراء دون انحياز. ويربط هذا الطرح بضرورة التمييز بين النقد البناء والحقد الشخصي، مؤكدًا أن الصحافة مسؤولة عن كشف الاختلالات، لكنها ليست ساحة لتصفية الحسابات الشخصية.
التدوينة لم تخلُ من انتقاد الإعلام العمومي، حيث وصفه الشرقاوي بأنه خارج المنافسة الإعلامية، باستثناء فترة رمضان التي تشهد استثمارًا كثيفًا في الإشهارات والمسلسلات ذات الطابع التجاري. كما دعا إلى إعادة النظر في الدعم العمومي والتمويل الإعلاني، بحيث يتم توزيعه وفقًا لمعايير عادلة توازن بين الانتشار والتأثير وحجم الالتزامات الاجتماعية للمؤسسات الإعلامية.
كما أشار إلى ضرورة إصلاح القوانين المنظمة للصحافة، مؤكدًا أن النصوص الحالية بعد ثمان سنوات من التطبيق أظهرت محدوديتها في ضبط القطاع، بل إنها قد تساهم في انتشار الممارسات غير المهنية. ومن بين القضايا التي تحتاج إلى تنظيم قانوني أيضًا، يطرح الشرقاوي ملف مواقع التواصل الاجتماعي، التي أضحت منصة لنشر الأخبار دون ضوابط مهنية، وهو ما يفرض إطارًا قانونيًا أكثر وضوحًا.
التدوينة ختمت بالإشارة إلى أهمية الشفافية المالية داخل المؤسسات الإعلامية، إذ يرى الشرقاوي أن الصحافة التي تطالب بالمحاسبة يجب أن تكون نفسها نموذجًا للنزاهة في تدبير المال العام. كما دعا إلى الإسراع بالخروج من الوضعية الاستثنائية التي تعيشها المؤسسات الوصية على القطاع، وضرورة وجود إرادة حقيقية للإصلاح من داخل المهنة وخارجها.
في الختام، نجد أن دعوة الدكتور عمر الشرقاوي تشخص الواقع الصحفي بواقعية وتجسد الحاجة الملحة لإصلاح القطاع. إذا كانت الصحافة هي مرآة المجتمع، فهي بحاجة ماسة إلى أن تستعيد دورها الفاعل بعيدًا عن التجاذبات السياسية والانحرافات التي تشوه صورتها. إن تصحيح المسار يتطلب فكرًا إصلاحيًا جريئًا من داخل المهنة وخارجها، وإرادة حقيقية لتجاوز التحديات التي تواجهها. التمييز بين الأدوار وضمان المصداقية المهنية، بالإضافة إلى تفعيل قوانين محكمة وإصلاح الإعلام العمومي، هي خطوات أساسية نحو صحافة أكثر مصداقية وفعالية.